إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس

          4295- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ(1)) بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة بعدها حاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة، الكنديُّ الكوفيُّ(2) قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بنُ سعدٍ الإمام، ولأبي ذرٍّ ”ليثٌ“ (عَنِ المَقْبُرِيِّ) بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة، سعيدِ بنِ كَيسان، وكان يسكن عندَ المقبرةِ فنسبَ إليها (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) بالشين المعجمة المضمومة أوله والحاء المهملة آخره، خُوَيلِد _بضم الخاء_ مصغرًا (العَدَوِيِّ) بفتح المهملتين وكسر الواو (أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) بفتح العين وسكون الميم‼، ابن العاصِ بنِ سعيدِ بنِ العاصِ بنِ أُميَّة القُرشيِّ الأشدَقِ، وكان أمير المدينة (وَهْوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ) لغزو عبدِ الله بنِ الزُّبير؛ لامتناعه من مبايعةِ يزيدَ بنِ معاويةَ: (ائْذَنْ لِي _أَيُّهَا الأَمِيرُ_ أُحَدِّثْكَ) بالجزمِ، جوابُ الأمرِ (قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم الغَدَ) ظرفٌ، وهو اليومُ الثَّاني (من يَوْمَ الفَتْحِ) ولغير أبي ذرٍّ ”يومَ الفتحِ“ بإسقاطِ الجارِّ (سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ) أي: حفظَهُ (قَلْبِي) وتحقَّقَ فهمُه (وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ) بتاءِ التأنيثِ، كسمِعَتْهُ، أي: فلم يسمعْهُ من وراءِ حجابٍ بل مع الرُّؤيةِ والمشاهدةِ (حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ) ╕ (إنَّه) بكسر الهمزة، وسقطت الكلمة لغيرِ أبي ذرٍّ (حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ) من عطف العام على الخاص (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) من قِبَلِ أنفسهم بل بتحريمِ اللهِ بوحي (لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا) بغير حقٍّ (وَلَا يَعْضِدَ) بفتح الياء وكسر الضاد، أي: لا يقطعُ (بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: لأجلِ قتاله (فِيهَا) مستدلًّا بذلكَ (فَقُولُوا لَهُ): ليس الأمر كذلك (إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ) خصوصيَّةً له صلعم (وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي) تعالى في القتالِ (فِيهَا) ولأبي ذرٍّ ”له فيه“ أي: في القتالِ (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) وهي من طلوعِ الشَّمسِ إلى العصرِ، فكانت مكَّة في حقِّه ╕ في تلك السَّاعة بمنزلةِ الحلِّ (وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ) يوم الفتحِ لا في غيره (كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ) الَّذي قبل يوم الفتحِ (وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ) أي: الحاضر (الغَائِبَ).
          (فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ) المذكور: (مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟) أي: ابنُ سعدٍ المذكور (قَالَ) أبو شُرَيْح: (قَالَ) عَمرو: (أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ) بالذال المعجمة، أي: لا يَعْصِم (عَاصِيًا) من إقامةِ الحدِّ عليه (وَلَا فَارًّا) بفاء وراء مشددة (بِدَمٍ) أي: مصاحبًا لدمٍ ملتجئًا إلى الحرمِ بسبب خوفهِ من إقامةِ الحدِّ عليه (وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة، أي: بسبب خَرْبة، وللأَصيليِّ ”بخُرْبة“ بضم الخاء، ولغيره: بفتحها، وصوَّبه بعضهم كما قاله القاضي عياضٌ.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البُخاريُّ: (الخَرْبَةُ) أي: (البَلِيَّةُ) وهذا ثابتٌ لأبي ذرٍّ وحدهُ.
          وهذا الحديثُ سبق في «باب ليبلغ العلمَ(3) الشَّاهدُ الغائبَ» من «كتاب العلم» [خ¦104].


[1] في (ل): «شرحبيلٍ».
[2] «الكوفي»: ليست في (د) و(ب).
[3] «العلم»: ليست في (د) و(ب).