إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أريتك في المنام مرتين

          3895- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُعَلًّى) بضمِّ الميم وفتح العين واللَّام مُشدَّدةٌ مُنوَّنةٌ، ابن أسدٍ أبو الهيثم البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) مُصغَّرًا، ابن خالدٍ البصريُّ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عروة ابن الزُّبير بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ ♦ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ لَهَا: أُرِيتُكِ) بضمِّ الهمزة (فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ) وفي روايةٍ: «ثلاث مرَّاتٍ» (أَرَى) بفتح الهمزة والرَّاء (أَنَّكِ) بكسر الكاف (فِي سَرَقَةٍ) بفتح السِّين المهملة والرَّاء والقاف: في قطعةٍ (مِنْ حَرِيرٍ) والمراد: أنَّه يريد(1) صورتها (وَيَقُولُ) أي: جبريل، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”ويُقال“: (هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ) عن وجهكِ؛ بهمزة قطعٍ وضمِّ الفاء في الفرع و«النَّاصريَّة»، والذي في «اليونينيَّة» بهمزة وصلٍ والجزم، فعل أمرٍ، وزاد في «اليونينيَّة» ”عنها“ (فَإِذَا هِيَ أَنْتِ) وفي روايةٍ: «فإذا أنتِ هي» أي: مثل الصُّورة التي رأيتها في المنام، وهو تشبيهٌ بليغٌ؛ حيث حُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه؛ كقوله: كنت أظنُّ أنَّ العقرب أشدُّ لسعةً من الزُّنبور فإذا هو هي، أي: فإذا الزُّنبور مثل العقرب‼، فحذف الأداة مبالغةً فحصل التَّشابه (فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ(2) اللهِ يُمْضِهِ) بضمِّ أوَّله، قال في «شرح المشكاة»: هذا الشَّرط ممَّا يقوله المتحقِّق لثبوت الأمر المدلِّ بصحَّته تقريرًا لوقوع الجزاء وتحقُّقه، ونحوه قول(3) السُّلطان لمن تحت قهره: إن كنتُ سلطانًا انتقمتُ منك، أي: السَّلطنة مقتضيةٌ للانتقام، وقال القاضي عياضٌ: يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا إشكال فيه، وإن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالاتٍ؛ التَّردُّد هل هي زوجته في الدُّنيا والآخرة، أو في الآخرة فقط، أو أنَّه لفظُ شكٍّ لا يُراد به ظاهره وهو نوعٌ من البديع عند أهل البلاغة يسمُّونه: تجاهل العارف، وسمَّاه بعضهم: مزج الشَّكِّ باليقين، أو وجه التَّردُّد؛ هل هي رؤيا وحيٍ على ظاهرها وحقيقتها، أو رؤيا وحيٍ لها تعبيرٌ، وكِلا الأمرين جائزٌ في حقِّ الأنبياء. انتهى. قال في «الفتح»: الأخير هو المُعتمَد، وبه جزم السُّهيليُّ عن ابن العربيِّ، ثمَّ(4) قال: وتعبيره باحتمال غيرها لا أرضاه، والأوَّل يردُّه أنَّ / السِّياق يقتضي أنَّها كانت قد وُجِدت، فإنَّ ظاهر قوله: «فإذا هي أنت» يشعر بأنَّه كان قد رآها وعرفها(5) قبل ذلك، والواقع أنَّها وُلِدت بعد البعثة، ويردُّ أوَّل الاحتمالات الثَّلاثة رواية ابن حبَّان في آخر حديث الباب: هي زوجته(6) في الدُّنيا والآخرة، والثَّاني بعيدٌ.


[1] في (ص): «والمراد به».
[2] في (م): «قِبَل»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[3] في (م): «قال».
[4] في (م): «انتهى».
[5] زيد في غير (س): «من».
[6] في (ب) و(س): «زوجتك».