إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينما أنا في الحطيم مضطجعًا إذ أتاني آت

          3887- وبه قال: (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ) بضمِّ الهاء وسكون الدَّال المُهمَلة بعدها مُوحَّدةٌ، القيسيُّ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن دينارٍ العَوْذِيُّ؛ بفتح العين المُهمَلة وبعد الواو السَّاكنة ذالٌ مُعجَمةٌ مكسورةٌ، قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بن دعامة (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ) بفتح الصَّادين المُهمَلتين وسكون العين المُهمَلة، الأنصاريِّ ( ☻ : أَنَّ نَبِيَّ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”أنَّ النَّبيَّ(1)“ ( صلعم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ) فيها، بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، أنَّه (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (أَنَا) كائنٌ (فِي الحَطِيمِ) أي: في الحِجْر؛ بكسر الحاء وسكون الجيم، وسقط قوله «قال» في «اليونينيَّة» (وَرُبَّمَا قَالَ فِي الحِجْرِ) بدل‼ «الحطيم» والشَّكُّ من قتادة، وفي «بدء الخلق» [خ¦3207] «بينا أنا عند البيت» وهو أعمُّ (مُضْطَجِعًا) نُصِب على الحال (إِذْ أَتَانِي آتٍ) هو جبريل ◙ (فَقَدَّ) بالفاء والقاف والمُهمَلة المُشدَّدة المفتوحات، شقَّ طولًا (قَالَ) قتادة: (وَسَمِعْتُهُ) أي: أنسًا (يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ) بفتح الجيم وبعد الألف راءٌ مضمومةٌ فواوٌ فدالٌ مُهمَلةٌ، ابن أبي سَبْرَة البصريِّ التَّابعيِّ صاحب أنسٍ ☺ (وَهْو إِلَى جَنْبِي) بفتح الجيم وسكون النُّون وكسر المُوحَّدة: (مَا يَعْنِي) أنسٌ (بِهِ؟) بقوله: «فشقَّ ما بين هذه إلى هذه» (قَالَ): يعني به (مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ) بمُثلَّثةٍ مضمومةٍ وسكون المعجمة بعدها راءٌ؛ الموضع(2) المنخفض بين التَّرقوتين (إِلَى شِعْرَتِهِ) بكسر الشِّين / المعجمة وسكون العين المُهمَلة: عانته، أو منبت شعرها، قال قتادة: (وَسَمِعْتُهُ) أي: سمعت أنسًا ☺ (يَقُولُ) أيضًا: شُقَّ (مِنْ قَصِّتهِ) بفتح القاف وتشديد الصَّاد المُهمَلة، رأس صدره (إِلَى شِعْرَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ) بضمِّ الهمزة (بِطَسْتٍ) بفتح الطَّاء وسكون السِّين المُهمَلتين (مِنْ ذَهَبٍ) قبل تحريم استعماله (مَمْلُوءَةٍ) بالتَّأنيث على لفظ الطَّست؛ لأنَّها مُؤنَّثةٌ، وبالجرِّ على الصِّفة (إِيمَانًا) نُصِب على التَّمييز(3)، مُلِئ حقيقةً، وتجسيدُ المعاني جائزٌ كتمثيل الموت كبشًا، أو مجازًا من باب التَّمثيل؛ كما مُثِّلت له الجنَّة والنَّار في عرض الحائط [خ¦540] وفائدتُه: كشفُ المعنويِّ بالحسِّيِّ (فَغُسِلَ) بضمِّ الغين، أي: غَسَلَ جبريلُ (قَلْبِي) وفي «مسلمٍ» كالمؤلِّف في «كتاب الصَّلاة» [خ¦349] «بماءِ زمزمَ» لأنَّه أفضل المياه، وفيه تقوية القلب (ثُمَّ حُشِيَ) بضمِّ المهملة وكسر المُعجَمة، إيمانًا وحكمة، وفي «الصَّلاة»: «ثمَّ جاء بطستٍ من ذهبٍ ممتلئٍ حكمةً وإيمانًا، فأفرغه في صدري، ثمَّ أطبقه».
          (ثُمَّ أُعِيدَ) موضعه من الصَّدر المُقدَّس، وإنَّما أُتِي بالطَّست لأنَّه أشهر آلات الغسل عُرْفًا، وبالذَّهب لكونه أعلى الأواني الحسِّيِّة وأصفاها، وحكمة الغسل ليتقوَّى على استجلاء الأسماء الحسنى والثُّبوت في المقام الأسنى، وقد أنكر القاضي عياضٌ ☼ شقَّ الصَّدر المُقدَّس ليلة الإسراء، وقال: إنَّما كان ذلك وهو صغيرٌ في بني سعدٍ عند مرضعته حليمة، وتعقَّبوه: بأنَّ ذلك وقع مرَّتين؛ الأولى: عند حليمة(4) لنزع العَلَقة التي قيل له عندها: هذا حظُّ الشَّيطان منك؛ ولذا نشأ على أكمل الأحوال من العصمة، والثَّانية: عند الإسراء، وقد روى الطَّيالسيُّ والحارث في «مُسنَديهما» من حديث عائشة ♦ : أنَّ الشَّقَّ وقع مرَّةً أخرى عند مجيء جبريل ◙ له بالوحي في غار حراء لزيادة الكرامة، وليتلقَّى الوحي بقلبٍ قويٍّ على أكمل الأحوال من التَّقديس، وقد وقع في ذلك من الخوارق ما يدهش السَّامع(5)، فسبيلنا الإيمان به والتَّسليم‼ من غير أن نتكلَّف إلى التَّوفيق بين المنقول والمعقول؛ للتبرُّؤ ممَّا يتوهَّم أنَّه محالٌ من شقِّ البطن وإخراج القلب المؤدِّيين للموت(6) لا محالة، ونحن بحمد الله لا نرى العدول عن الحقيقة إلى المجاز في خبر الصَّادق إلَّا في الأمر المُحَال على القدرة، وسقط قوله «ثمَّ أعيد» لغير أبي ذرٍّ (ثُمَّ أُتِيتُ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ) اللَّون، والتَّذكير باعتبار المركوب، وعند الثَّعلبيِّ بسندٍ ضعيفٍ من حديث ابن عبَّاسٍ ☻ : «لها خدٌّ كخدِّ الإنسان، وعَرْفٌ كالفرس، وقوائم كالإبل، وأظلافٌ وذَنَبٌ كالبقر، وكان صدره ياقوتةً حمراء» (فَقَالَ لَهُ) أي: لأنسٍ ☺ (الجَارُودُ) بن أبي سَبْرَة: (هُو البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟) استفهامٌ حُذِفت منه الأداة، و«أبو حمزة» _بالحاء المُهمَلة والزَّاي_ كنية أنسٍ ☺ (قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ) هو البراق (يَضَعُ خَطْوَهُ) بفتح الخاء المُعجَمة وسكون الطَّاء المُهمَلة (عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ) بفتح المُهمَلة وسكون الرَّاء بعدها فاءٌ، أي: يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره، وهو يدلُّ على أنَّه كان يمشي على وجه الأرض، وروى ابن سعدٍ عن الواقديِّ بأسانيده: «له جناحان»، ولعلَّه يشعر بأنَّه يطير بين السَّماء والأرض.
          (فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ) بضمِّ الحاء مبنيًّا للمفعول (فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا) فيه حذفٌ صرَّح به البيهقيُّ في «دلائله» من حديث أبي سعيدٍ، ولفظه: «فإذا أنا بدابَّةٍ كالبغل يُقال له: البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته...» الحديث، قال: «ثمَّ دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلَّيت، ثمَّ أُتيت بالمعراج» وعند ابن إسحاق: «ولم أرَ قطُّ شيئًا أحسن منه، وهو الذي يمدُّ إليه الميت عينيه إذا حُضِر(7)» وفي رواية كعبٍ: «فُوضِعت له مرقاةٌ من فضَّةٍ ومرقاةٌ من ذهبٍ، حتَّى عرج هو وجبريل» وفي «شرف المصطفى» لأبي سعدٍ: «أنَّه مُنضَّدٌ باللُّؤلؤ، عن يمينه ملائكةٌ وعن يساره ملائكةٌ» وعند ابن أبي حاتمٍ من رواية يزيد بن أبي مالكٍ عن أنسٍ ☺ : «فلم ألبث إلَّا يسيرًا حتَّى اجتمع ناسٌ كثيرٌ، ثمَّ أذَّن مؤذِّنٌ فأُقِيمت الصَّلاة، فأخذ بيدي جبريل فقدَّمني فصلَّيت بهم» وعند أحمد من حديث ابن عبَّاسٍ ☻ : «فلمَّا أتى النَّبيُّ / صلعم المسجد الأقصى قام يصلِّي، فإذا النَّبيُّون أجمعون يصلُّون معه» والأظهر أنَّ صلاته بهم ببيت المقدس كانت قبل العروج، ثمَّ عُرِج به إلى السَّماء الدُّنيا (فَاسْتَفْتَحَ) جبريل (فَقِيل) ولأبي ذرٍّ ”قيل“: (مَنْ هَذَا) الذي يقرع الباب؟ (قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“ أي: خازن السَّماء: (وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ) جبريل: معي(8) (مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟) للعروج به (قَالَ) جبريل: (نَعَمْ) أُرسِل إليه (قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ) قال ابن مالكٍ في «شواهده»‼: في هذا الكلام شاهدٌ على الاستغناء بالصِّلة عن الموصول، أو الصِّفة عن الموصوف في «باب نِعْم» لأنَّها تحتاج إلى فاعلٍ هو المجيء، وإلى مخصوصٍ بمعناها وهو مبتدأٌ مُخبَرٌ عنه بـ «نِعْمَ» وفاعلها، فهو في هذا الكلام وشبهه موصولٌ أو موصوفٌ بـ «جاء»، والتَّقدير: ونِعْم المجيء الذي جاء أو نِعْم المجيءُ مجيءٌ جاء، وكونه موصولًا أجودُ لأنَّه مُخبَرٌ عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفةً أَولى من كونه نكرةً (فَفَتَحَ) خازنها الباب (فَلَمَّا خَلَصْتُ) بفتح اللَّام، أي: وصلت (فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ) له جبريل: (هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ) لأنَّ المارَّ يسلِّمُ على القاعد، وإن كان المارُّ أفضلَ من القاعد (فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ) عليَّ (السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ) له آدم: (مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ) جبريل(9) (حَتَّى) ولأبي ذرِّ ”ثمَّ صعد بي حتَّى(10)“ (أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَح) جبريل بابها (قِيلَ) ولأبي ذرٍّ ”فقيل“: (مَنْ هَذَا) الذي يقرع الباب؟ (قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ): معي (مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ) جبريل: (نَعَمْ) أُرسِل إليه (قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ) الذي (جَاءَ) أو نِعْمَ المجيءُ مجيءٌ جاء (فَفَتَحَ) الخازن الباب (فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى) بن زكريَّا (وَعِيسَى) ابن مريم (وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ) لأنَّ أمَّ يحيى إيشاع بنت فاقوذ أخت حنَّة _بالحاء المُهمَلة والنُّون المُشدَّدة_ بنت فاقوذ أمّ مريم؛ وذلك أنَّ عمران بن ماثان تزوَّج حنَّة، وزكريَّا تزوَّج إيشاع، فولدت إيشاعُ يحيى، وولدت حنَّةُ مريمَ، فتكون إيشاع خالة مريم، وحنَّة خالة يحيى، فهما ابنا خالةٍ بهذا الاعتبار، وليس عمران هذا أبا موسى إذ بينهما _فيما قيل_ ألفٌ وثمان مئة سنةٍ، ولأبي ذرٍّ ”ابنا خالةٍ“ (قَالَ) جبريل له(11) ╕ : (هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ عليهما، فَرَدَّا) عليَّ السَّلام (ثُمَّ قَالَا) لي: (مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ) جبريل (بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ) جبريل الباب (قِيلَ) له، ولأبي ذرٍّ ”فقيل(12)“: (مَنْ هَذَا) الذي يستفتح؟(13) (قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ) جبريل: معي (مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ) للعروج به؟ (قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ) مجيءٌ(14) (جَاءَ، فَفُتِحَ) بضمِّ الفاء الثَّانية مبنيًّا للمفعول (فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ) لي جبريل: (هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ) عليَّ السَّلام (ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي) جبريل (حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ) جبريل (قِيلَ) له: (مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ: قِيلَ) ولأبي ذرٍّ ”قال“: (وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ) أُرسِل إليه (قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ) الذي (جَاءَ، فَفُتِحَ) _بضمِّ الفاء مبنيًّا للمفعول_ لنا (فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ) وللأربعة ”فإذا إدريس“ (قَالَ) جبريل: (هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ) ولغير الكُشْميهَنيِّ سقوط لفظ «عليه» (فَرَدَّ) عليَّ السَّلام (ثُمَّ قَالَ) لي: (مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) فيه ردٌّ على النَّسَّابة في قولهم: إنَّ إدريس جدُّ نوحٍ، وإلَّا لقال: والابن الصَّالح كما قال آدم (ثُمَّ صَعِدَ) جبريل (بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ) جبريل (قِيلَ) له: (مَنْ هَذَا) الذي استفتح؟(15) (قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“: (وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ) جبريل: (مُحَمَّدٌ صلعم ) سقطت التَّصلية لأبي ذرٍّ (قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ) قيل: المخصوص بالمدح محذوفٌ، وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ، والتَّقدير: جاء فنِعْمَ المجيءُ مجيئُه (فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ‼، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ) السَّلام عليَّ (ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بي) جبريل (حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ) جبريل (قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ) ولأبي ذرٍّ / ”قال: ومن“ (مَعَكَ؟ قَالَ): معي (مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟) سقطت واو «وقد» لأبي ذرٍّ (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى) قال في «المصابيح»: إنَّ الفاء فيه وفي «فإذا إبراهيم» زائدةٌ (قَالَ) جبريل: (هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ) عليَّ السَّلام (ثُمَّ قَالَ) له: (مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ) بالجيم والزَّاي، أي: موسى (بَكَى، قِيلَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقيل“ وفي نسخةٍ: ”قال“ (لَهُ: مَا يُبْكِيكَ) يا موسى؟ (قَالَ: أَبْكِي؛ لأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ(16)) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ ”أكثر(17) ممَّن“ (يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي) ليس بكاؤه حسدًا _حاشاه الله_ بل أسفًا على ما فاته من الأجر المترتِّب عليه رفع درجته بسبب ما حصل(18) من أمَّته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم، المستلزم ذلك لنقص أجره؛ لأنَّ لكلِّ نبيٍّ مثل أجر جميع من اتَّبعه، وقوله: «غلامٌ» مراده به: أنَّه صغير السِّنِّ بالنِّسبة إليه، وقد أنعم الله عليه بما لم يُنعم به عليه مع طول عمره.
          (ثُمَّ صَعِدَ بِي) جبريل (إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ) الخليل (قَالَ) جبريل: (هَذَا أَبُوكَ) إبراهيم (فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ) وفي نسخةٍ ”فقال“ ولأبي ذرٍّ ”ثمَّ قال“: (مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) وقد استُشْكِل رؤية الأنبياء في السَّموات مع أنَّ أجسادهم مستقرَّةٌ في قبورهم بالأرض، وأُجيب بأنَّ أرواحهم تشكَّلت في صور(19) أجسادهم، أو أُحضِرت أجسادهم لملاقاته صلعم تلك اللَّيلة تشريفًا له وتكريمًا (ثُمَّ رُفِعَتْ لِي) أي: لأجلي، بضمِّ الرَّاء وكسر الفاء وفتح العين المُهمَلة وتسكين(20) الفوقيَّة (سِدْرَةُ المُنْتَهَى) التي ينتهي إليها ما يعرج من الأرض فيُقبَض منها، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”ثمَّ(21) رُفِعْتُ“ بسكون العين وضمِّ الفوقيَّة و”إلى“ الجارَّة و”سدرةِ“ جَرٌّ بها، وجُمِع بين الرِّاويتين: بأنَّه رُفِع إليها وظهرت له كلَّ الظُّهور حتَّى اطَّلع عليها كلَّ الاطِّلاع(22) (فَإِذَا نَبِقُهَا) بكسر المُوحَّدة ثمر السِّدرة (مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ) بكسر القاف، و«هَجَر» بفتح الهاء والجيم: اسم بلدٍ، لا ينصرف للعلميَّة والتَّأنيث، ومراده: أنَّ ثمرها في الكِبَر كالجِرَار التي تُصنَع بها، وكانت معروفةً عند المخاطبين؛ فلذا وقع التَّمثيل بها، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”مثل قلال الهجر“ بالتَّعريف (وَإِذَا وَرَقُهَا‼ مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ) بكسر الفاء وفتح التَّحتيَّة، جمع فيلٍ، وقول الزَّركشيِّ: _بفتح الفاء والياء_ تعقَّبه في «المصابيح» بأنَّه سهوٌ (قَالَ) لي جبريل: (هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ) تخرج من أصلها: (نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ؛ فَنَهَرَانِ) يجريان(23) (فِي الجَنَّةِ) ويجريان من أصل سدرة المنتهى ثمَّ يسيران حيث يشاء الله، ثمَّ ينزلان إلى الأرض ثمَّ يسيران فيها، وقال مقاتلٌ: «الباطنان»: السَّلسبيل والكوثر (وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ؛ فَالنِّيلُ) نهر مصر (وَالفُرَاتُ) بالمُثنَّاة الفوقيَّة خطًّا وصلًا ووقفًا، لا بالهاء، نهر بغداد.
          (ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ) زاد الكُشْميهَنيُّ: ”يدخله كلَّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ“ وزاد في «بدء الخلق» [خ¦3207] «إذا خرجوا لم يعودوا» (ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ) فشربت منه (فَقَالَ) جبريل: (هِيَ الفِطْرَةُ) الإسلاميَّة (أَنْتَ) ولأبي ذرٍّ ”التي أنت“ (عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ) وفي «الأشربة» [خ¦5576] من حديث أبي هريرة ☺ : «ولو أخذتَ الخمر لَغَوَتْ أمَّتُك» وعند البيهقيِّ عن أنسٍ: «ولو شربتَ الماء غرقتَ وغرقتْ أمَّتُك» وفي «مسلمٍ»: أنَّ إتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج، ويحتمل أنَّ الآنية عُرِضت عليه مرَّتين؛ مرَّةً عند فراغه من الصَّلاة ببيت المقدس ومرَّةً عند وصوله إلى سدرة المنتهى (ثُمَّ فُرِضَتْ) بالبناء للمفعول (عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ) بالجمع، ولأبي ذرٍّ ”الصَّلاة“ (خَمْسُونَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ) وزاد في «الصَّلاة» [خ¦349] «ثمَّ عُرِج بي حتَّى ظهرتُ(24) لمستوًى أسمع فيه صريف الأقلام» قال ابن حزمٍ: وفي رواية(25) أنس بن مالكٍ: قال النبيُّ صلعم : «ففرض الله / ╡ على أمَّتي خمسين صلاةً» (فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا) ولأبي ذرٍّ ”بمَ“ (أُمِرْتَ؟) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (قَالَ) نبيُّنا صلعم : قلت له: (أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ) وليلةٍ (قَالَ) موسى ◙ : (إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ) أن تصلِّيَ (خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ) وليلةٍ (وَإِنِّي _وَاللهِ_ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ) قال ╕ : (فَرَجَعْتُ) إلى ربِّي (فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا) من الخمسين (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى) فأخبرته (فَقَالَ مِثْلَهُ): إنَّ أمَّتك لا تستطيع... إلى آخره، (فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا) من الأربعين (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا) من الثَّلاثين (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ) بالإضافة، وفي «اليونينيَّة»: ”بعشرٍ“ بالتَّنوين (كُلَّ يَوْمٍ) وليلةٍ‼ (فَرَجَعْتُ)(26) إلى موسى، سقط لفظ «فرجعت» لأبي ذرٍّ و”إلى موسى“ للكلِّ (فَقَالَ) موسى (مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ) وليلةٍ (فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا) بألفٍ بعد الميم، ولأبي ذرٍّ ”بمَ“ (أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ) ╕ : فقلت له: (سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ) فلا أرجع، فإنِّي إن رجعت صرت غير راضٍ ولا مُسَلِّمٍ (وَلَكِنْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ ”ولكنِّي“ (أَرْضَى وَأُسَلِّمُ _قَالَ_) ╕ : (فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَاني مُنَادٍ) والذي في «اليونينيَّة»: ”نادى منادٍ“: (أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي) وهذا من أقوى ما يُستدَلُّ به على أنَّه صلعم كلَّمه ربُّه ليلة الإسراء بغير واسطةٍ، كما قاله في «الفتح».


[1] في (م): «رسول الله».
[2] «الموضع»: ليس في (ص).
[3] في (م): «التَّمثيل».
[4] زيد في (م): «وهو صغيرٌ».
[5] في (م): «المسامع».
[6] في (ب) و(س): «إلى الموت».
[7] في (ب) و(س): «احتُضِر».
[8] «جبريل معي»: ليس في (ص) و(م).
[9] زيد في (م): «بي» ولعلَّه سبق نظرٍ.
[10] «حتَّى»: سقط من (م).
[11] «له»: ليس في (ص).
[12] في (م): «قال» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[13] في (م): «استفتح».
[14] «مجيءٌ»: ليس في (م).
[15] في (ب) و(س): «يستفتح».
[16] زيد في (م): «أمَّتي»، وليس بصحيحٍ.
[17] «أكثر»: ليس في (ص) و(م).
[18] زيد في (م): «له».
[19] في (ب) و(س): «بصور».
[20] في (م): «وسكون».
[21] «ثمَّ»: ليس في (م).
[22] قوله: «ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي... اطَّلع عليها كلَّ الاطِّلاع» جاء سابقًا في (ص) بعد قوله: «وتسكين الفوقيَّة».
[23] «يجريان»: ليس في (ص) و(م).
[24] «حتَّى ظهرتُ»: ضُرِب عليها في (م).
[25] «في رواية»: ليس في (ص).
[26] «فرجعتُ»: ضُرِب عليها في (م).