إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

علم الجرح والتعديل

          وإذا عُلِمَ هذا؛ فلْيُعلُم أنَّ شرط الرَّاوي للحديث أن يكون مُكلَّفًا عدلًا مُتقِنًا، ويُعرَف إتقانه بموافقة الثِّقات، ولا تضرُّ مخالفته النَّادرة، ويُقبَل الجرح إنْ بَانَ سَبَبُه، للاختلاف فيما يوجب الجرح، بخلاف التَّعديل فلا يُشتَرط، ورواية العدل عمَّن سمَّاه لا تكون تعديلًا، وقيل: إن كانت عادته ألَّا يروي إلَّا عن عدلٍ كالشَّيخين فتعديلٌ، وإلَّا فلا، ولا يُقبَل مجهول العدالة، وكذا مجهول العين الذي لم تعرفه العلماء، وتَرفع الجهالةَ عنه روايةُ اثنين مشهورين بالعلم، والصَّحابةُ كلُّهم عدولٌ، وقَبِلَ المستورَ قومٌ، ورجَّحه ابن الصَّلاح، ولا يُقبَل حديثُ مُبْهَمٍ ما لم يُسمَّ؛ إذ شرطُ قبول الخبر عدالةُ ناقله، ومن أُبهِم اسمه؛ لا تُعرَف عينه، فكيف تُعرَف عدالته؟ ولا يُقبَل مَنْ به بدعةُ كفرٍ، أو يدعو إلى بدعةٍ، وإلَّا قُبِلَ؛ لاحتجاج البخاريِّ وغيره بكثيرٍ من المبتدعين غير الدُّعاة، ويُقبَل التَّائب وينبغي أن يُعرَف من اختلط من الثِّقات في آخر عمره لفساد عقله وخرفه؛ ليتميَّز من سمع منه قبل ذلك، فيُقبَل حديثه، أو بعده فيُرَدُّ، ومن رُوِيَ عنه منهم في الصَّحيحين(1) محمولٌ على السَّلامة، وقد أعرضوا عن اعتبار هذه الشُّروط في زماننا؛ لإبقاء سلسلة الإسناد، فيُعتبَر البلوغ والعقل والسَّتر والإتقان ونحوه. ولألفاظ التَّعديل مراتبُ: أعلاها: ثقةٌ أو متقنٌ أو ضابطٌ أو حجَّةٌ. ثانيها: خَيِّرٌ، صدوقٌ، مأمونٌ، لا بأسَ به، وهؤلاء يُكتَب حديثهم. ثالثها: شيخٌ، وهذا يُكتَب حديثه للاعتبار رابعها: صالح الحديث، فيُكتَب ويُنظَر فيه. ولألفاظ التَّجريح مراتب أيضًا، أدناها: ليِّن الحديث، يُكتَب ويُنظَر فيه اعتبارًا. ثانيها: ليس بقويٍّ، وليس بذاك. ثالثها: مقارب الحديث، أي: رديئه رابعها: متروك الحديث لا يُكتَب، وكذَّابٌ، ووضَّاعٌ، ودجَّالٌ، وواهٍ، وواهٍ بِمَرَّةٍ؛ بموحَّدةٍ مكسورةٍ فميمٍ مفتوحةٍ وراءٍ مُشَدَّدةٍ، أي: قولًا واحدًا لا تردُّد فيه، فهؤلاء ساقطون لا يُكتَب / عنهم.


[1] في (د) و (ص) و (م): «الصحيح».