إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

المعلل

          والمعلَّل: ولا يُقال المعلول: خبرٌ ظاهره السَّلامة؛ لجمعه شروط الصِّحَّة، لكن فيه علَّةٌ خفيَّةٌ فيها غموضٌ، تظهر للنُّقَّاد أطبَّاءِ السُّنَّةِ الحاذقين بعللها عند جمع طرق الحديث والفحص عنها؛ كمخالفة راوي ذلك الحديث لغيره ممَّن هو أحفظ وأضبط وأكثر عددًا، وتفرُّده وعدم المتابعة عليه، مع قرائنَ تنبِّه على وهمه في وصل مُرسَلٍ، أو رفع موقوفٍ، أو إدراج حديثٍ في حديثٍ، أو لفظةٍ أو جملةٍ ليست من الحديث أدرجها فيه، أو وهمٍ بإبدال راوٍ ضعيفٍ بثقةٍ، ويقع في الإسناد والمتن: فالأوَّل: كحديث يعلى بن عبيدٍ عن الثَّوريِّ عن عمرو بن دينارٍ: «البيِّعان بالخيار»‼ صرَّح النُّقَّاد بأنَّ «يعلى» غَلِطَ، إنَّما هو عبد الله بن دينار لا عمرو بن دينارٍ، وشذّ بذلك عن سائر أصحاب الثَّوريِّ، وسبب الاشتباه: اتِّفاقهما في اسم الأب، وفي غير واحدٍ من الشُّيوخ، وتقاربهما في الوفاة.
           وأمَّا علَّة المتن فكحديث مسلمٍ من جهة الأوزاعيِّ عن قتادة: أنَّه كتب إليه يخبره عن أنسٍ أنَّه حدَّثه أنَّه قال: «صلَّيت خلفَ النَّبيِّ صلعم وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ: الحمد لله ربِّ العالمين، لا يذكرون { ╖} في أوَّل قراءةٍ ولا في آخرها»، فقد أعلَّ الشَّافعيُّ ☺ وغيره هذه الزِّيادة التي فيها عدم البسملة، بأنَّ سبعةً أو ثمانيةً خالفوا في ذلك، واتَّفقوا على الاستفتاح بـ «الحمد لله رب العالمين»، ولم يذكروا البسملة والمعنى: أنَّهم يبدؤون بقراءة أمِّ القرآن قبل ما يُقرَأ بعدها، ولا يعني أنَّهم يتركون البسملة. وحينئذٍ فكأنَّ بعض رواته فَهِمَ من الاستفتاح نفيَ البسملة، فصرَّح بما فهمه، وهو مخطئٌ في ذلك، ويتأيَّد بما صحَّ عن أنسٍ أنَّه سُئِل: «أكان النبي صلعم يستفتح بـ { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أو بـ { ╖ }؟ فقال للسَّائل: إنَّك لتسألني عن شيءٍ ما أحفظُه، وما سألني عنه أحدٌ قبلَك»، على أنَّ قتادة وُلِدَ أكمه، وكاتبه لم يعرف، وهذا أهمُّ في التَّعليل، وهذا من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقِّها، ولا يقوم به إلَّا ذو فهمٍ ثاقبٍ(1)، وحفظٍ واسعٍ، ومعرفةٍ تامَّةٍ بمراتب الرُّواة، ومَلَكَةٍ قويَّةٍ بالأسانيد والمتون، وقد تقصرُ عبارةُ المعلِّل عن إقامة الحجَّة على دعواه؛ كالصَّيرفيِّ في نقد الدِّينار والدِّرهم.


[1] في (ص): «ثابت».