إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لقد لقيت من قومك ما لقيت

          3231- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ(1) (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ) بن الزُّبير (أَنَّ عَائِشَةَ ♦ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم ) وسقط «زوج النَّبيِّ...» إلى آخره لأبي ذرٍّ(2)، (حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلعم : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ‼ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ) غزوة (أُحُدٍ؟ قَالَ) ╕ : (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ) قريشٍ (مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ) بالرَّفع، ولأبي ذرٍّ: بالنَّصب (مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ) الَّتي بمنًى. و«أشدَّ»: خبر «كان»، واسمها(3) عائدٌ إلى مُقدَّرٍ وهو مفعولُ قولِه: «لقد لقيت»، و«يوم العقبة» ظرفٌ، وكأنَّ المعنى: كان ما لقيت من قومك يوم العقبة أشدَّ ما لقيت منهم (إِذْ) أي: حين (عَرَضْتُ نَفْسِي) في شوَّالٍ سنة عشرٍ من المبعث بعد موت أبي طالبٍ وخديجة وتوجُّهه إلى الطَّائف (عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ) بتحتيَّةٍ وبعد الألف لامٌ مكسورةٌ فتحتيَّةٌ ساكنةٌ فلامٌ(4) (بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ) بضمِّ الكاف وتخفيف اللَّام وبعد الألف لامٌ أخرى، واسمه كنانة، وهو من أكابر أهل الطَّائف من ثقيفٍ، لكنَّ الَّذي في السِّيَر: أنَّ الَّذي كلَّمه هو عبد يَالِيلَ نفسه لا ابنه، وعند أهل النَّسب: أنَّ عبد كلالٍ أخوه لا أبوه، وأنَّه عبد يَالِيلَ بن عمرو(5) بن عمير بن عوفٍ (فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ) وعند موسى بن عقبة: «أنَّه صلعم توجَّه إلى الطَّائف رجاءَ أن يؤووه(6)، فعمد إلى ثلاثة نفرٍ من ثقيفٍ وهم سادَتُهم، وهم إخوةٌ عبد يَالِيلَ وحبيبٌ ومسعود بنو عمرٍو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم ما انتهك منه قومه، فردُّوا عليه أقبح ردٍّ، ورضخوه(7) بالحجارة حتَّى أدمَوا رجليه». (فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي) أي: الجهة المواجهة لي / ، وقال الطِّيبيُّ: أي انطلقت حيران(8) هائمًا لا أدري أين أتوجَّه من شدَّة ذلك (فَلَمْ أَسْتَفِقْ) ممَّا أنا فيه من الغمِّ (إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ) _بالمُثلَّثة_ جمع ثعلبٍ: الحيوان(9) المعروف، وهو ميقات أهل نجدٍ، ويُسمَّى قرن المنازل أيضًا، وهو بينه وبين مكَّة يومٌ وليلةٌ (فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ) إليها (فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ) ◙ (فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”وقد بعث الله إليك“ (مَلَكَ الجِبَالِ) الَّذي سُخِّرت له وبيده أمرُها (لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ) قال رسول الله صلعم : (فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ) كما قال جبريل، أو كما سمعت منه (فِيمَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”فما“ (شِئْتَ) استفهامٌ جزاؤه مُقدَّرٌ، أي: فعلتُ، وعند الطَّبرانيِّ عن مقدام(10) بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ المؤلِّف: «فقال: يا محمَّد إنَّ الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما(11) شئت» (إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ) بضمِّ الهمزة وسكون الطَّاء وكسر الموحَّدة (عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ) بالخاء والشِّين المعجمتين، جبلَي مكَّة أبا قبيسٍ ومقابله قُعَيْقِعَان، وقال الكِرمانيُّ: ثورٌ، ووهَّموه(12)، وسُمِّيا بذلك، لصلابتهما وغلظ حجارتهما (فَقَالَ) بالفاء، ولأبي الوقت‼: ”قال“ (النَّبِيُّ صلعم : بَلْ أَرْجُو) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”أنا أرجو“ (أَنْ يُخْرِجَ اللهُ) بضمِّ الياء من الإخراج (مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ) أي: يوحِّده، وقوله: (وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) تفسيره، وهذا من مزيد شفقته على أمَّته، وكثرة حلمه وصبره، جزاه الله عنَّا ما هو أهله، وصلَّى الله(13) عليه وسلَّم.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦7389]، ومسلمٌ في «المغازي»، والنَّسائيُّ(14) في «البعوث».


[1] «الأيليُّ»: ليس في (م).
[2] في (د): «النَّبيِّ صلعم لأبي ذرٍّ»، و«إلى آخره»: ليس في (ص).
[3] في (ص): «واسمه».
[4] في (م): «ثمَّ لامٌ».
[5] «بن عمرو»: ليس في (ص).
[6] في (م): «يردَّه».
[7] في (د): «ورموه».
[8] في غير (ب) و(س): «حيرانًا» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[9] في (ص) و(م): «للحيوان».
[10] في (د): «مقداد» وهو تحريفٌ.
[11] في (م): «بما».
[12] في (م): «ودهموه» وهو تحريفٌ.
[13] اسم الجلالة مثبتٌ من (ص) و(م).
[14] في الكبرى: (7659).