الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من رايا بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به

          ░36▒ <باب: مَنْ رايا بقراءة القرآن>
          هكذا في «النُّسخة الهنديَّة»، وكذا في «نسخة العينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ»، وفي نسخة «الفتح»: <باب: إثم مَنْ راءى> قال الحافظ: كذا للأكثر، وفي روايةٍ: <رايا> بتحتانيَّةٍ بدل الهمزة.
          (وتأكَّل) أي: طلب الأكل، وقوله: (أو فجر به) للأكثر بالجيم، وحكى ابن التِّين أنَّ في روايةٍ بالخاء المعجمة، ثُمَّ ذكر في الباب ثلاثة أحاديث:
          أحدها: حديث عليٍّ في ذِكر الخوارج، وقد تقدَّم في علامات النُّبوَّة.
          والحديث الثَّاني: حديث أبي سلمة عن أبي سعيدٍ: في ذكر الخوارج أيضًا، وسيأتي شرحه أيضًا في استتابة المرتدِّين، وتقدَّم مِنْ وجهٍ آخر في علامات النُّبوَّة، ومناسبة هذين الحديثين للتَّرجمة أنَّ القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرِّياء أو للتَّأكُّل به ونحوِ ذلك.
          فالأحاديث الثَّلاثة دالَّةٌ لأركان التَّرجمة، لأنَّ منهم مَنْ رايا به، وإليه الإشارة في حديث أبي موسى، ومنهم مَنْ تأكَّل به، وهو مخرَجٌ مِنْ حديثه أيضًا، ومنهم(1) مَنْ فَجَرَ به وهو مخرَجٌ مِنْ حديث عليٍّ وأبي سعيدٍ.
          والحديث الثَّالث: حديث أبي موسى الَّذي تقدَّم مشروحًا في (باب: فضل القرآن على سائر الكلام) وهو ظاهرٌ فيما ترجم له. انتهى.
          قوله: (وريحها مرٌّ) وسيأتي في كتاب التَّوحيد وكذا في الأطعمة في (باب: قراءة الفاجر والمنافق) بلفظ (لا ريح لها) وهكذا تقدَّم بلفظ (لا ريح لها) في (باب: فضل القرآن على سائر الكلام).
          قال الحافظ: في (باب: فضل القرآن) قوله: (لا ريح لها) في رواية شعبة: ((وريحها مرٌّ)) واستُشكلت هذه الرِّواية مِنْ جهة أنَّ المرارة مِنْ أوصاف الطُّعوم، فكيف يوصَف بها الرِّيح؟ وأجيبَ: بأنَّ ريحها لمَّا كان كريهًا استُعير له وصف المرارة. انتهى.
          قلت: ويمكن الجواب عنه / عندي أنَّ بعض الأشياء يُدرَك طعمها في الفم بالرِّيح والشَّمِّ كبعض الأشياء الحامضة وذوي المرارة، وهكذا يظهر حلاوة بعض الفواكه بالشَّمِّ وهو مشاهَدٌ.
          وقال العَينيُّ: أثبت الرِّيح هناك ونفى هاهنا، لأنَّ المنفيَّ الرِّيحُ الطيِّبة بقرينة المَقام والمثبت المرُّ، انتهى.
          وقال الكَرمانيُّ مجيبًا عن هذا الإشكال: قلت: المقصود منهما واحدٌ، وذلك هو بيان عدمِ النَّفع لا له ولا لغيره، وربَّما كان مضرًّا فمعناه لا ريح لها نافعةٌ. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((ومنه)).