الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: جمع القرآن

          ░3▒ (باب: جمع القرآن)
          المراد بالجمع هاهنا جمعٌ مخصوصٌ، وهو جمع متفرِّقه في صُحفٍ، ثُمَّ جمعُ تلك الصُّحف في مصحفٍ واحدٍ مرتَّب السُّوَر، وسيأتي بعد ثلاثة أبوابٍ (باب: تأليف القرآن) والمراد به هناك تأليف الآيات في السُّورة الواحدة، و(1)ترتيب السُّوَر في الصُّحف. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقد جُمع القرآن ثلاث مرَّاتٍ، قال الخطَّابيُّ: إنَّما لم يَجمع النَّبيُّ صلعم في المصحف لِما كان يترقَّبه مِنْ ورود ناسخٍ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلمَّا انقضى نزوله بموته ألهم اللهُ الخلفاء الرَّاشدين ذلك وفاءً بوعده الصَّادق بضمان حفظه على هذه الأُمَّة، وكان ابتداءُ ذلك على يد الصِّدِّيق بمشورة عمر ☻، وقد كان القرآن كلُّه كُتب في عهد رسول الله صلعم، لكن غير مجموعٍ في موضعٍ واحدٍ ولا مرتَّب السُّوَر.
          ولهذا قال الحاكم: جُمع القرآن ثلاث مرَّاتٍ:
          أحدها: بحضرة النَّبِيِّ صلعم، وأخرج بسنده على شرط الشَّيخين عن زيد بن ثابتٍ قال: ((كنَّا جلوسًا عند رسول الله صلعم تؤلف(2) القرآن في الرِّقاع)) الحديث، قال البَيْهَقيُّ: يشبه أن يكون المراد تأليف ما نزل مِنَ الآيات المفردة في سُوَرها وجمعها فيها بإشارة النَّبِيِّ صلعم.
          والثَّانية: بحضرة أبي بكرٍ المذكورةُ في حديث الباب.
          الثَّالث: جمع عثمان، جَمَع الصَّحابةَ فنسخوها في المصاحف وكتبوها بلغة قريشٍ، وأرسل إلى كلِّ أفقٍ بمصحفٍ ممَّا نسخوا، وكان ذلك / في سنة خمسٍ وعشرين، وأمَّا ترتيب السُّوَر والآيات فالإجماع والنُّصوص مترادفةٌ على أنَّ ترتيب الآيات توقيفيٌّ، ولا خلاف فيه بين المسلمين. انتهى مِنْ «حاشية الهنديَّة» عن «اللُّمعات».
          وقال السُّيوطيُّ في «الإتقان»: الإجماع والنُّصوص مترادفةٌ على أنَّ ترتيب الآيات توفيقيٌّ(3) لا شبهة في ذلك، أمَّا الإجماع فنقله غير واحدٍ منهم الزَّرْكشيُّ وأبو جعفر بن الزُّبَير، وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقعٌ بتوقيفه صلعم وأمره مِنْ غير خلافٍ في هذا بين المسلمين، ثُمَّ بسط السُّيوطيُّ في النُّصوص الدَّالَّة على ذلك، ذُكِر بعضٌ منها في «هامش اللَّامع» فارجع إليه لو شئت.
          قوله: (مع أهل العراق) كتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: متعلِّقٌ بأهل الشَّام، فهم مِنْ جملة الغازين أيضًا. انتهى.
          وفي «هامشه»: دفع الشَّيخ بذلك ظاهر ما يتوهَّم أنَّ الغزوة كانت مع أهل العراق، يعني يتوهَّم أنَّ أهل العراق كانوا كفَّارًا، وأيضًا ظاهر قوله: (كان يغازي أهل الشَّام) أيضًا يوهم ذلك، فدفعها الشَّيخ بقوله: (إنَّ أهل الشَّام وأهل العراق كلاهما كانوا غُزاةً).
          قال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (وكان عثمان يغازي أهل الشَّام) أي: يجهِّز أهل الشَّام، وأمر أهل الشَّام أن يجتمعوا مع أهل العراق في غزو أَرْمِينِيَة وأَذْرَبِيجان وفتحهما. انتهى مختصرًا.
          قال الحافظ: والمراد: أنَّ أرمينية فتحت في خلافة عثمان، وكان أميرُ العسكر مِنْ أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهليَّ، وكان عثمان أمر أهل الشَّام وأهل العراق أن يجتمعوا على ذلك، وكان أمير أهل الشَّام على ذلك العسكر حبيب بن مسلمة الفهريَّ، وكان حذيفة مِنْ جملة مَنْ غزا معهم، وكان هو على أهل المدائن وهي مِنْ جملة أعمال العراق، وفي رواية يونس بن يزيد: اجتمع لغزو(4) أذربيجان وأرمينية أهل الشَّام وأهل العراق، واتَّفق غزوهما في سنةٍ واحدةٍ، واجتمع في غزوة كلٍّ منهما(5) أهلُ الشَّام وأهل العراق، وكانت في سنة خمسٍ وعشرين في السَّنة الثَّالثة أو الثَّانية مِنْ خلافة عثمان. انتهى [مختصرًا].


[1] في (المطبوع): ((أو)).
[2] في (المطبوع): ((نؤلف)).
[3] في (المطبوع): ((توقيفي)).
[4] في (المطبوع): ((لغزوة)).
[5] في (المطبوع): ((كل واحد منها)) بدل قوله: ((كل منهما)).