الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه

          ░21▒ (باب: خيركم مَنْ تعلَّم القرآن وعلَّمه)
          قال الحافظ: كذا ترجم بلفظ المتن، وكأنَّه أشار إلى ترجيح الرِّواية بالواو، وقال أيضًا في شرح حديث الباب: قوله: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) كذا للأكثر، وللسَّرَخْسيِّ: <أو علَّمه> / وهي للتَّنويع لا للشَّكِّ، وكذا لأحمد عن غُنْدرٍ عن شعبة، وزاد في أوَّله: (إن) أكثر(1) الرُّواة عن شعبة يقولونه بالواو، وكذا أخرجه التِّرْمِذيُّ مِنْ حديث عليٍّ وهي أظهر مِنْ حيث المعنى، لأنَّ الَّتي بأو تقتضي إثبات الخيريَّة المذكورة لِمَنْ فعل أحد الأمرين، فيلزم أنَّ مَنْ تعلَّم القرآن ولو لم يعلِّمه غيره أن يكون خيرًا ممَّن عمل بما فيه مثلًا وإن لم يتعلَّمه.
          ولا يقال: يلزم على رواية الواو أيضًا أنَّ مَنْ تعلَّمه وعلَّمه غيرَه أن يكون أفضل ممَّن عمل بما فيه مِنْ غير أن يتعلَّمه ولم يعلِّمه غيرَه، لأنَّا نقول: يحتمل أن يكون المراد بالخيرة مِنْ جهة حصول التَّعليم بعد العِلم، والَّذي يعلِّم غيره يحصل له النَّفع المتعدِّي بخلاف مَنْ يعمل فقط بل مِنْ أشرف العمل تعليمُ الغير، فمعلِّمُ غيره يستلزم أن يكون تعلُّمه وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفعٍ متعدٍّ.
          ولا يقال: لو كان المعنى حصول النَّفع المتعدِّي لاشترك كلُّ مَنْ علَّم غيره علمًا ما في ذلك، لأنَّا نقول: القرآن أشرف العلوم، فيكون مَنْ تعلَّمه وعلَّمه لغيره أشرف ممَّن تعلَّم غير القرآن وإن علَّمه فيثبت المدَّعى، ولا شكَّ أنَّ الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّلٌ لنفسه ولغيره جامعٌ بين النَّفع القاصر والنَّفع المتعدِّي ولهذا كان أفضل، وهو مِنْ جملة مَنْ عنى سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، والدُّعاء إلى الله [تعالى] يقع بأمورٍ شتَّى، مِنْ جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع، وعكسُه الكافر المانع لغيره مِنَ الإسلام، كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام:157].
          فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل مِنَ الفقيه قلنا: لا، لأنَّ المخاطَبين بذلك كانوا فقهاء النُّفوس، لأنَّهم كانوا أهل اللِّسان، فكانوا يَدْرون معانيَ القرآن بالسَّليقة أكثر ممَّا يدريها مَنْ بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجيَّةً، فمَنْ كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا مَنْ كان قارئًا أو مقرئًا محضًا لا يفهم شيئًا مِنْ معاني ما يقرؤه أو يقرئه. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وأكثر)).