الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

فضل: {قل هو الله أحد}

          ░13▒ (باب: فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، فيه عمرةُ عن عائشة...) إلى آخره
          قال الحافظ: هو طرفٌ مِنْ حديثٍ أوَّلُه: (أنَّ النَّبيَّ صلعم بعث رَجلًا على سريَّةٍ، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]...)) الحديث، وفي آخره: ((أَخْبِروه أنَّ الله يحبُّه)) وسيأتي موصولًا بتمامه في أوَّل كتاب التَّوحيد، وتقدَّم في صفة الصَّلاة مِنْ وجهٍ آخر عن أنسٍ.
          وذهل الكرمانيُّ فقال: قوله: (فيه عمرةُ) أي: روت عن عائشة حديثًا في فضل سورة الإخلاص، ولمَّا لم يكن على شرطه لم يَذكره بنصِّه، واكتفى بالإشارة إليه إجمالًا، كذا قال، وغفل عمَّا في كتاب التَّوحيد والله أعلم. انتهى.
          قوله: (ثلث القرآن) اختلفوا في معناه على أقوالٍ بسطها الحافظ في «الفتح» وأجملها صاحب «التَّعليق الممجَّد» فقال: قوله: (إنَّها لتعدل) / أي: تساوي ثلث القرآن، لأنَّ معانيَ القرآن ثلاثةُ علومٍ: علم التَّوحيد وعلم الشَّرائع وعلم تهذيب الأخلاق، وسورة الإخلاص يشمل(1) على القسم الأشرف منها الَّذي هو كالأصل للقسمين وهو علم التَّوحيد، وقال الطِّيْبيُّ: وذلك لأنَّ القرآن على ثلاثة أنحاءٍ: قَصصٌ وأحكامٌ وصفات الله ╡، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ} متمحِّضةٌ للصِّفات، فهي ثلثُ القرآن، وقيل: ثوابها يضاعَف بقدر ثواب(2) ثلث القرآن، فعلى الأوَّل لا يلزم مِنْ تكريرها استيعاب القرآن وختمُه، وعلى الثَّاني يلزم.
          وقال ابن عبد البرِّ: [مَنْ] لم يتأوَّل هذا الحديث أَخْلَصُ ممَّن اختار الرَّأي، وإليه ذهب أحمدُ وإسحاق، فإنَّهما حملا الحديث على أنَّ معناه أنَّ لها فضلًا في الثَّواب؛ تحريضًا على تعلُّمها لا أنَّ قراءتها ثلاث مرَّاتٍ كقراءة القرآن، قال: وهذا لا يستقيم، ولو قرأها مئتي مرَّةٍ، كذا في «المرقاة». انتهى.
          وقال صاحب «التَّعليق» أيضًا: قد وقع النِّزاع بين طلبتي المستفيدين منِّي بحضرتي في أنَّه إذا قرأ سورة الإخلاص هل يجد ثواب قراءة تمام القرآن؟ فقال بعضهم: نعم مستندًا بهذا الحديث، وردَّه بعضهم بأنَّ جمع الأثلاث إنمَّا يبلغ إلى الواحد التَّامِّ إذا كانت مِنْ جنسٍ واحدٍ وإلَّا فلا.
          فحضروا لدَيَّ سائلين تحقيق الحقِّ في ذلك، فقلت: قد صرَّح جمعٌ مِنَ الفقهاء والمحدِّثين لذلك، فقالوا: غرضُنا أنَّه هل يُستنبط ذلك مِنَ [هذا] الحديث أم لا؟
          فقلت: إن كانت الثُّلثيَّة معلَّلةً باشتمالها على ثلاث(3) معاني القرآن وهو التَّوحيد كما هو رأي جماعةٍ، فلا دِلالة لهذا الحديث على حصول ثواب خَتْم القرآن للتَّثليث، لأنَّ التَّثليث حينئذٍ يكون تثليثًا لآيات التَّوحيد فقط، ولا يشتمل [على] باقي القرآن، وإن حُمل ذلك على كون ثوابه بقدر ثواب ثلث القرآن مع قطع النَّظر عمَّا ذكر يمكن ثواب الختم التَّامِّ للتَّثليث، فانقطع النِّزاع بينهم، ثُمَّ وجدت في «معجم الطَّبَرانيِّ الصَّغير» بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا ((مَنْ قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] [بعد صلاة الصُّبح] اثنتي عشرة(4) مرَّةً فكأنَّما قرأ القرآن أربع مرَّاتٍ، وكان أفضلَ أهل الأرض يومئذٍ إذا اتَّقى)) فصار هذا أدلَّ على المقصود قاطعًا للنِّزاع. انتهى مختصرًا.


[1] في (المطبوع): ((تشتمل)).
[2] قوله: ((ثواب)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((ثُلُث)).
[4] في (المطبوع): ((اثنتي عشر)).