الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الترجيع

          ░30▒ (باب: التَّرجيع)
          في القراءة هو تقارب ضروب حركاتها وترديدُ الصَّوت في الحلق، قاله القَسْطَلَّانيُّ.
          وقال الحافظ: وقد فسَّره كما سيأتي في حديث عبد الله بن المغفَّل المذكور في هذا الباب في كتاب التَّوحيد بقوله: آء آء آء، بهمزةٍ مفتوحةٍ بعدها ألفٌ ساكنةٌ ثُمَّ همزةٌ أخرى، ثُمَّ قالوا: يحتمل أمرين:
          أحدهما: أنَّ ذلك حدث مِنْ هزِّ النَّاقة.
          والآخر: أنَّه أشبع المدَّ في موضعه فحدث ذلك، وهذا الثَّاني أشبهُ بالسِّياق، فإنَّ في بعض طرقه(1): ((لولا أن يجتمع النَّاس لقرأت لكم بذلك اللَّحن)) أي: النَّغم، وقد ثبت التَّرجيع في غير هذا الموضع، فأخرج التِّرْمِذيُّ في «الشَّمائل» والنَّسَائيُّ وابن ماجه وابن أبي داود واللَّفظ له مِنْ حديث أمِّ هانئٍ: ((كنت أسمع صوت النَّبِيِّ صلعم وهو يقرأ وأنا نائمةٌ على فراشي يرجِّع القرآن)) قال الشَّيخ ابن أبي جمرة: معنى التَّرجيعِ تحسينُ التِّلاوة لا ترجيعُ الغناء، لأنَّ القراءة بترجيع الغناء تنافى(2) الخشوع الَّذي هو مقصود التِّلاوة. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ في شرح قوله: (وهو يرجِّع) زاد في التَّوحيد: قال: آء آء آء، وهو محمولٌ على إشباعٍ في محلِّه، وإذا جمعتَ هذا إلى قوله / ╕: (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) ظهر لك أنَّ هذا التَّرجيع منه ╕ كان اختيارًا لا اضطرارًا لهزِّ النَّاقة له، فإنَّه لو كان لهزِّ النَّاقة، لَما كان داخلًا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفَّلٍ يفعله ويحكيه اختيارًا ليتأسَّى به وهو يراه مِنْ هزِّ النَّاقة له ثُمَّ يقول: كان يرجِّع في قراءته، فنَسب التَّرجيع إلى فعله، وليس المراد ترجيعَ الغناء كما أحدثه قرَّاء زماننا عفا الله عنَّا وعنهم، ووفَّقنا أجمعين لتلاوة كتابه على النَّحو الَّذي يرضيه عنا بمنِّه وكرمه. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((طرق)).
[2] في (المطبوع): ((تنافي)).