إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأةً

          4425- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ) بالمثلثة، المؤذِّنُ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ) بفتح العين المهملة بعدها واو ساكنة ففاء، الأعرابيُّ (عَنِ الحَسَنِ) البصريِّ (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) نُفَيعِ بنِ الحارثِ، أنَّه (قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ) ╡ (بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم أَيَّامَ الجَمَلِ) أي: نَفَعني الله أيَّامَ وقعةِ الجملِ بكلمةٍ سمعتُها، فـ «أيَّامٌ»: متعلِّقٌ بـ «نفعنِي» لا بسمعتها؛ لأنَّه سمعها قبلَ ذلك، ففيه تقديمٌ وتأخيرٌ (بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ) ولأبي ذرٍّ ”كدتُ ألحق“ (بِأَصْحَابِ) وقعةِ (الجَمَلِ) عائشةَ ♦ ومن معها (فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ) وكان سببها: أنَّ عُثمَان ☺ لمَّا قُتِل وبويعَ عليٌّ بالخلافةِ(1) خرجَ طلحةُ والزُّبيرُ إلى مكَّةَ، فوجدا عائشةَ وكانت قد حجَّت، فأجمعَ رأيهم على التوجُّهِ إلى البصرةِ يستنفِرونَ النَّاسَ للطَّلبِ بدمِ عثمانَ، فبلغَ(2) عليًّا فخرجَ إليهم، فكانت الوقعةُ، ونسبت إلى الجملِ التي كانَتْ عائشةُ قد ركبتهُ، وهي في هودجِهَا تدعُو النَّاسَ إلى الإصلاح.
          (قَالَ) أبو بكرة مفسرًا لقوله: «نفعنِي الله بكلمةٍ» (لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلعم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا) بتشديد اللام (عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى) بُوران _بضم الموحدة_ بنت شيرويه بن كِسرى أَبْرويز، وذلك أنَّ شيرويه لمَّا قتلَ أباهُ كان أبوهُ لمّا(3) علمَ أنَّ ابنه عملَ على قتلِهِ؛ احتالَ على قتلِ ابنه بعد موتهِ، فعملَ في بعضِ خزائنِهِ المختصَّة به حُقًّا مسمومًا كتب عليه: حُقُّ الجماعِ، من تناولَ منه كذا جامع كذا، فقرأهُ شيرويه فتناولَ منه، فكان فيهِ هلاكهُ، فلم يَعِش بعد أبيه سوى ستة أشهرٍ، فلمَّا ماتَ لم يخلِّف أخًا لأنَّه كان قتل إخوتهُ حِرصًا على المُلْكِ، ولم يخلف ذكرًا، وكرِهُوا إخراجَ المُلْكِ عن ذلكَ البيتِ فملَّكُوا أختهُ.
          (قَالَ) ╕ : (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً) ومذهب(4) الجمهورِ: أنَّ المرأةَ لا تلِي الإمارةَ ولا القضاء، وأجازهُ الطَّبريُّ في روايةٍ عن مالك، وعن أبي حنيفة: تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادةُ النِّساءِ.
          والغرضُ من ذكر هذا الحديثِ هنا: بيانُ أنَّ كسرَى لمَّا مزَّقَ كتابهُ صلعم ودعا عليه سلَّطَ الله عليه ابنهُ فمزَّقهُ وقتلَهُ، ثمَّ قتلَ إخوتَهُ؛ أفضَى الأمرُ بهم إلى تأميرِ المرأةِ، فجرَّ ذلكَ إلى ذهابِ ملكِهم ومُزِّقوا، واستجابَ اللهُ دعاءهُ صلعم .


[1] في (ب): «على الخلافة».
[2] في (ص): «فلما بلغ».
[3] قوله: «لما» سقط من الأصل وهو مثبت من «الفتح».
[4] في (م): «ذهب».