التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد

          ░24▒ بَابُ مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ العِيْدِ.
          986- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَة يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ.
          الشَّرح: هكذا في الرِّوَايةِ، وذَكَرَ الجَيَّانيُّ أنَّ في رِوايتِه هكذا عن أبي الحَسَنِ والأَصِيليِّ وأبي ذرٍّ، وعند ابنِ السَّكَنِ بزيادَةِ بعدَ فُلَيْح: <عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ> وعن النَّسَفِيِّ عنِ البُخارِيِّ <تَابَعَهُ يُونُسُ عَنْ فُلَيْحٍ> لم يزِدْ شيئًا في البَابِ.
          وقال أبو مسعودٍ في روايتِه عن البُخاريِّ: <تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنْ فُلَيْحٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ: عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ> قال أبو مسعود: وإنَّما رواهُ يونُسُ عن أبي هريرة لا عن جابرٍ، قال: وكذلكَ رواهُ الهيثَمُ بن جميل عن فُلَيحٍ عن سعيدٍ عن أبي هريرة، كما رواه الصَّلْتُ.
          ونَقَل الْمِزِّيُّ عن أبي مسعودٍ أنَّه قال بعدَ قولِه: <تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنْ فُلَيْحٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ: عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ> قال أبو مسعودٍ: كذا ذَكَرَهُ البُخاريُّ، وقد رواهُ محمَّدُ بن حُمَيد عن أبي تُمَيلَةَ عن فُلَيحٍ عن سعيدٍ عن أبي هُريرة، هكذا رواهُ النَّاسُ عنه، وأمَّا حديثُ يونُسَ إنَّما رواهُ عن فُلَيحٍ عن سعيدٍ عن أبي هُريرة لا عن جابرٍ، وكذا رواه الهيثَمُ بن جَميل عن فُلَيحٍ به، فصارَ مَرْجِعُ الحديثِ إلى أبي هُريرة.
          قال الجَيَّانيُّ لَمَّا ذَكَرَ ما نَقَلَهُ عن أبي مسعودٍ: وهذا تصريحٌ منه في الرَّدِّ على البُخاريِّ، وقولُ البُخاريِّ صحيحٌ، ومتابعةُ يونُسَ لأبي تُمَيْلَةَ صحيحةٌ، وذَكَرَ أبو مسعودٍ في مُسْنَدِ أبي هُريرَةَ قالَ: قال البُخاريُّ في كتابِ العيدَينِ: وقال محمَّدُ بن الصَّلْتِ عن فُلَيْحٍ عن سعيدٍ عن أبي هُريرَةَ بنحوِه. يعني بنحْوِ هذا الحديثِ. قال الجَيَّانيُّ: وروايةُ يونُسَ لهذا الحديثِ مِن طريقِ جابرٍ محفوظةٌ صحيحةٌ مِن روايةِ الثِّقَاتِ عن يونُسَ. ثُمَّ ذَكَرَ طريقَ سعيدِ بن السَّكَن إلى محمَّدِ بن الصَّلْتِ حدَّثنا فُلَيحٌ عن سعيدِ بن الحارِثِ عن أبي هريرة. الحديث. ويُرى أنَّ ذلك من اصطلاحه، وأورَدَهُ كذلكَ الترمذيُّ وقالَ: غريبٌ.
          قال: ورَوَى أبو تُمَيْلَةُ ويوسُفُ بنُ محمَّدٍ هذا الحديثَ عن فُلَيحٍ عن سعيدٍ عن جابرٍ، وكذا أخرجه ابنُ أبي شَيبة والعُقَيليُّ، ورَوَاهُ البَيْهَقِيُّ مِن طريقِ أبي تُمَيْلَة عن فُلَيحٍ عن سعيدٍ عن أبي هريرة، وساقه بإسناده، وساق بإسنادِه إلى يوسُفَ بن محمَّد عن سعيدٍ عن أبي هُريرةَ.
          ومحمَّدُ بنُ الصَّلْتِ اثنانِ أخرج لهما البُخاريُّ:
          أحدُهما: أبو جعفر محمَّدُ بن الصَّلْت الأزْدِيُّ الكوفيُّ الأَصَمُّ، ماتَ سنةَ تسعَ عشرة ومئتين، رَوَى عن ابن المبارَك في مناقبِ عمرَ.
          الثَّاني: أبو يَعْلى محمَّد بن الصَّلْت التَّوَّزِيُّ، وتَوَّزُ مِن فارسَ، أصلُه منها سَكَنَ البَصْرَةَ، وماتَ سنةَ ثماني وعشرين ومئة، رَوَى عن فُلَيحٍ وجماعةٍ.
          وأمَّا (مُحَمَّدٌ) شيخُ البُخاريِّ فهو محمَّدُ بن سَلَامٍ البِيْكَنْدِيُّ كما صرَّحَ به الجَيَّانيُّ وابنُ بَطَّال، وفي «أطرافِ خَلَف» على الحاشِيَةِ: ابنُ مُقاتِل حدَّثَنَا أبو تُمَيْلَة.
          وتعجَّبَ ابنُ العَرَبيِّ مِن إخراجِ البُخاريِّ الحديثَ المذكورَ لأجْلِ الاضطرابِ الَّذي فيه.
          قال التِّرمِذِيُّ: وفي البابِ عن ابن عمرَ وأبي رافعٍ. ورَوَاهُ البَيَهَقِيُّ مِن طريقِ المطَّلِب بن عبدِ الله بن حَنْطَب ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يَغْدُو يومَ العِيْدِ إلى المصَلَّى مِن الطَّريقِ الأعظَمِ، فإذا رَجَع رَجَعَ مِن الطريق الأُخرى على دارِ عمَّارَ بن ياسرٍ)) ورواه البخاريُّ في «التَّاريخِ» ورواه البيهقيُّ مِن طريق معاذَ بن عبدِ الرَّحمن التَّميمِيِّ عن أبيه عن جَدِّه.
          إذا عرفْتَ ذلك فجمهورُ العلماءِ على استحبابِ الذَّهابِ يومَ العيدِ في طريقٍ والرُّجوعِ في أُخرى اقتداءً به، قال مالكٌ: وأدرَكْنَا الأئِمَّةَ يفعلونَه، وقال أبو حنيفةَ: يُستحبُّ له ذلكَ، فإنْ لم يفْعَلْ فلا حَرَجَ عليه.
          واختلفَ النَّاسُ في سِرِّ ذلكَ على أقوالٍ، قال القاضي أبو محمَّد: ذَكَرَ النَّاسُ في فوائدِ هذا أشياءَ بعضُها يقرُبُ مِن الإمكانِ ويحتمل / أن يُقال، وكثيرٌ منها دَعَاوٍ فارغةٌ واختراعاتٌ عنه، ونحنُ نذكُرُ ما قيل في ذلك:
          فأقوى ذلك: أنَّه فَعَلَه لِتَعُمَّ النَّاسَ بركتُه مِن كلِّ جهةٍ ويراهُ النَّاسُ في الطَّريقِ الَّذِي رجَعَ فيه مَن لم يَرَهُ في الأُخرَى.
          ثانِيها: خشيةَ الزِّحامَ لِئَلَّا يتأذَّى النَّاسُ منه، واختارَهُ الشَّيخُ أبو حامدٍ وابنُ الصَّلاحِ، وَوَردَ في روايةٍ لابنِ عُمَرَ: ((لِئَلَّا يَكْثُرَ الزِّحَامُ)).
          ثالثُها: لِتَعُمَّ النَّاسَ صَدَقَتُه، إذْ قد يكونُ في الثَّانِي مِن الفقراءِ مَن لا يمكِنُه الحركةُ.
          رابعُها: للاستفتاءِ فيهِما.
          خامسُها: لِيحصُلَ لهما فضلٌ بِمُرورِه فيه.
          سادسُها: لاحتمالِ أنَّ العّدُوَّ كَمَنَ له كمينًا، وفيه نَظَرٌ.
          سابعُها: لِتَكْثُرَ خُطاهُ فيكثُرَ ثوابُه، إذْ حضَّ على كَثْرَةِ الخُطَا إلى المساجدِ.
          ثامنُها: ليَكثُرُوا في أعيُنِ الأعداءِ. قال ابنُ بطَّالٍ: ورأيتُ للعلماءِ في معنى رجوعِه مِن طريقٍ أخرى تأويلاتٍ كثيرةً، وأَوْلاها عندِي والله أعلمُ أنَّ ذلك ليُرِيَ المشركينَ كثرةَ عددِ المسلمينَ ويُرهِبَ بذلك عليهِم.
          قلتُ: والأصحُّ أنَّهُ كان يقصِدُ أطوَلَ الطَّريقينِ في الذَّهابِ والأقصَرَ في الرُّجوعِ لأنَّ الذَّهابَ أفضَلُ مِن الرُّجوعِ، ولا يختَصُّ ذلكَ بالعيدِ بل سائرُ العباداتِ كالجُمعةِ والصَّلاةِ وغيرِهما يُفْعَلُ كذلك، ومِن ذلك لَمَّا سارَ إلى عَرَفَةَ سارَ على طريقِ ضَبٍّ وعادَ على طريقِ الْمَأْزِمَيْنِ.