التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الخطبة بعد العيد

          ░8▒ بَابُ الخُطْبَةِ بَعْدَ العِيْدِ.
          962- 963- 964- 965- ذَكَرَ فيهِ أربعَةَ أحاديثَ:
          أحدُها: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ: (شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ).
          هذا الحَدِيثُ أخرجَه هنا عَاليًا، وفي تفسيرِ سورةِ الممتَحِنَةِ نازِلًا [خ¦4895] أخرجَه هُنا عن أبي عاصمٍ الضَّحَّاكِ بن مَخْلَدٍ حدَّثَنا ابنُ جُرَيج، وهناكَ عن محمَّد بن عبدِ الرَّحيمِ عن هارونَ بن معروفٍ عن عبد الله بن وهْبٍ عن ابنِ جُريجٍ. وأخرجهُ مسلمٌ هنا.
          وما ذَكَرَهُ عن عمَرَ وعثمانَ هو الصَّحيحُ عنهما، وقد تقدَّم.
          فإنْ قلتَ: ما الحكمةُ في تقديمِ الصَّلاةِ هنا على الخُطبةِ؟ قلتُ: مِن أوجُهٍ:
          أحدُها: للتَّفْرِقَةِ بينَ ما هو فرضُ عينٍ وكفايةٍ أو سُنَّةٍ.
          ثانِيها: اهتمامُ النَّاسِ بالعيدَين فقُدِّمَتْ لِئَلَّا يشتَغِلوا عنها.
          ثالثُها: أنَّ الخطيبَ يُبَيِّنُ لهم ما يُخرِجُونَ مِن الفِطْرِ وما يُضحُّون، وذلك يفتقِرُ إلى الحِفْظِ فأُخِّر لِئَلَّا يتفكَّرَ الحافِظُ له قَبْلَ الصَّلاةِ في الخُطبَةِ، فأمَّا خُطبةُ الجُمعةِ فلا يزيدُ محلُّ الموعِظَةِ الَّتي هي الصَّلاةُ مِن جنسِها.
          الحديثُ الثَّاني: حديثُ ابنِ عمرَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ). هذا الحديثُ أخرجَه مسلمٌ أيضًا. وأبو أسامةُ في إسنادِه اسمُه حمَّادُ بن أسامة. وعُبيدُ الله هو العُمَرِيُّ.
          الحديثُ الثَّالثُ: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبي صلعم صلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا). هذا الحديثُ يأتي قريبًا، وَذَكَرَهُ في اللِّباسِ والزَّكاةِ، وأخرجَهُ مسلمٌ والأربعةُ أيضًا.
          الحديثُ الرَّابِعُ: حديثُ البَراءِ بنِ عازبٍ مرفوعًا: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ) الحديث، وقد تَقَدَّم.
          إذا تقرَّرَ ذلك فالكلامُ عليها مِن أوجُهٍ:
          أحدُها: هذه الأحاديثُ دالَّةٌ على تأخيرِ الخُطبةِ للعيدينِ عن الصَّلاةِ، أمَّا حديثُ ابن عمرَ وابن عبَّاسٍ الأوَّلُ فظاهرٌ، وأمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ الآخَرُ فموضِعُهُ (ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ) وهذا هو الخُطبةُ، وفي ابنِ ماجَه مِن حديثِه: ((أنَّه صلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ، فَرَأَى أنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فأتاهُنَّ فذكَّرهُنَّ)). وأمَّا حديثُ البراءِ ففيهِ أنَّ أوَّلَ ما يُفعَلُ في اليومِ الصَّلاةُ.
          ثانِيها: وَقَعَ للنَّسائيِّ استدلالُه بحديثِ البراءِ هذا على أنَّ الخُطبةَ قَبْلَها، وترجم له بابِ الخطبةُ يومَ العيد قبْلَ الصَّلاة، واستدَلَّ مِن ذلك بقولِه: (أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَنْحَرَ) وتأوَّلَ أنَّ قولَه هذا قَبْلَ الصَّلاةِ لأنَّه كيف يقولُ: (أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ أَنْ نُصَلِّيَ) وهو قد صلَّى؟
          قال ابنُ بطَّال: غَلِطَ النَّسائيُّ في ذلك لأنَّ العرَبَ قد تضَعُ الفِعْلَ المستقبَل مكان الماضي، فكأنَّه صلعم قال: أوَّلُ ما يكون الابتداءُ به في هذا اليومِ الصَّلاةُ التي قدَّمنا فِعْلَها وبدأنَا بِها، وهو مِثْلُ قولِه تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ} [البروج:8] المعنى إلا الإيمانُ المتقدِّمُ منهم، وقد بَيَّنَ ذلك في بابِ استقبالُ الإمامِ النَّاسَ في خُطبةِ العيدِ فقال: ((إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ)) [خ¦976] وللنَّسائيِّ: ((خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ)).
          ثالثُها: لم يذكُرْ فِعْلَ عليٍّ مع مَن تقدَّمَ وقد كانَ يفعَلُ مِثْلَهُ، إلَّا أنَّ ابنَ عبَّاسٍ لم يكُنْ شَهِدَ معه العيدَ بالكوفةِ لأنَّهُ ولَّاهُ على البصرةِ كما نبَّه عليه الدَّاوُدِيُّ، وَرَوَى مِثْلَ ذلكَ مرفوعًا جابرٌ وأبو سعيدٍ وأنسٌ والبراءُ وجندبٌ وابنُ عمُرَ، خرَّجه البُخاريُّ عنهم وجماعةٌ مِن الصَّحابةِ.
          قال أشهبُ في «المجموعة»: مَن بدأَ بالخُطبةِ قَبْلَ الصَّلاةِ أعادَها بعدَ الصَّلاةِ، وإن لمْ يفْعَلْ أجزَأَهُ وقد أساءَ. قال مالكٌ: والسُّنَّةُ تقديمُ الصَّلاةِ قَبْلَ الخُطبةِ، وبذلكَ عَمِلَ رسولُ الله صلعم وأبو بكرٍ وعمرَ وعثمانَ صدرًا مِن ولايتِه، وقد أسلفْنَا أنَّه إجماعُ، وذَكَرْنَا مَن قدَّمَها.
          رابعُها: فيه ألَّا يُصَلَّى قبلَها ولا بعدَها، وبه أخذ مالكٌ، قال: لا يتنفَّلُ في المصَلَّى قبلَها ولا بعدَها.
          وفيه قولٌ ثانٍ: أنَّه يتنفَّلُ قبلَها وبعدَها كما في الجُمعةِ، رُوِيَ ذلكَ عن بُرَيدةَ الأَسْلَمِيِّ وأنسِ بن مالكٍ والحسَنِ وأخيه سعيدٍ وعروةَ. قال ابن بطَّال: وبه قال الشَّافعيُّ أي لغيرِ الإمامِ.
          وحُكي القولُ الَّذي قَبْلَه عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ وحذيفةَ وجابرٍ وابنِ عمرَ وابنِ أبي أَوْفَى والشَّعبيِّ ومسروقٍ والضَّحَّاكِ والقاسمِ وسالمٍ والزُّهريِّ ومَعْمَرٍ وابنِ جُرَيجٍ وهو قول أحمدَ، وحُكيَ عن مالكٍ.
          وفيه قولٌ ثالثٌ: أنَّها إذا صُلِّيَتْ في المسجدِ / جازَ التَّنَفُّلُ قبلَها وبعدَها، حكاهُ ابنُ بطَّالٍ عن مالكٍ، وهي روايةُ ابنِ القاسِمِ عنه.
          وفيه قولٌ رابعٌ: عكْسُهُ أنَّه لا يتنفَّلُ في الجامِعِ قبْلَها ويُباح بعدَها، قاله ابن وهْبٍ وأشهبُ، وأمَّا في بيتِه فأجازَهُ مالكٌ في «المدوَّنَةِ». وقال ابنُ حبيبٍ: قال قومٌ: هي سُبْحَةُ ذلكَ اليَومِ فيقتَصِرُ عليها إلى الزَّوَالِ. قال: وهو أحبُّ إليَّ.
          وفيه قولٌ خامسٌ: أنَّه يُصلِّي قبلَها لا بعدَها، رُوِيَ ذلكَ عن أبي مسعودٍ البدْرِيِّ، وبه قالَ عَلقَمَةُ والأسودُ وابنُ أبي ليلى والنَّخَعِيُّ ومجاهدٌ والثَّوريُّ والكوفيُّونَ منهُم أبو حنيفةَ والأوزاعِيُّ، وحكاه ابن شعبانَ عن مالكٍ.
          وفيه قولٌ سادسٌ: الكراهةُ في المصلَّى قبلَها وبعدَها والرُّخصَةُ فيها في غيرِه.
          وسابعٌ ذَكَرَهُ في «الجواهِرِ»: أنَّهُ لا يتنفَّلُ قبْلَها ولا بعدَها في هذا اليومِ، وقال أحمدُ: أهلُ الكوفةِ لا يتطوَّعون قبلَها ويتطوَّعونَ بعدَها، وأهلُ البصرةِ يتطوَّعون قبْلَها وبعدَها، وأهلُ المدينةِ لا يتطوَّعون قبلَها ولا بعدَها.
          وعندَ الحنفيَّةِ أقوالٌ غيرُ ما سَلَفَ: ليسَ قَبْلَها صلاةٌ _عن محمَّدٍ كما في «الذَّخيرةِ» _ وإن شاءَ تطوَّعَ قَبْلَ الفَرَاغِ مِن الخُطْبَةِ، معناه أنَّه ليس قَبْلَها صلاةٌ مسنونةٌ لا أنَّها تُكرَهُ، إلَّا أنَّ الكَرْخِيَّ نصَّ على الكراهةِ قبْلَ العيدِ حيثُ قال: يُكره لمن حَضَرَ المصَلَّى التَّنفُّلُ قبلَها.
          وفي «التَّجريدِ»: إنْ شاءَ تطوَّعَ بعدَ الفراغِ مِن الخُطبة، ولم يُذكَرْ أنَّه تطوَّعَ في الَجبَّانة أو في بيتِهِ، وذَكَرَ في كتابِ «العالِمِ والمتعلِّم» ما يدُلُّ على أنَّهُ يتطوَّعُ في بيتِه ويُكرَهُ ذلكَ في الجَبَّانة، وكان محمَّد بن مقاتِلٍ الرَّازِيُّ يقول: لا بأسَ بصلاةِ الضُّحى قبلَ الخروجِ إلى المصَلَّى وإنَّما تُكرَهُ في الجَبَّانَةِ، وعامَّةُ المشايخ على الكراهةِ مُطلَقًا.
          قلتُ: والسُّنَّة الثابِتَةُ المنْعُ مُطلَقًا فثبَتَ أنَّها ليس كالجُمعة، واستَخْلَفَ عليٌّ أبا مسعودٍ فخَطَبَ النَّاسَ وقال: لا صلاةَ قبْلَ الإمامِ يومَ العيدِ، ولمْ يُرْوَ عن غيرِه خلافُه، ومِثْلُ هذا لا يُقالُ بالرَّأيِ وإنَّما طريقُه التَّوقيفُ كما نبَّه عليه الطَّحاويُّ، وقد عَقَدَ البُخاريُّ لهذه المسألةِ قريبًا بابًا.
          خامسُها: إتيانُه النِّساءَ بعدَ خُطبتِه ورَأَى أنَّهُنَّ لمْ يسمَعْنَ كما سَلَفَ، فيُستَحَبُّ عِظَتُهُنَّ وتَذْكِيرُهُنَّ الآخِرَةَ والأحكامَ وحثُّهُنَّ على الصَّدَقَةِ، وهذا إذا لم يترتَّبْ عليه مفسدَةٌ وخوفُ فتنَةٍ على الواعظِ والموعوظِ أو غيرِهِما.
          وفيه أنَّ النِّساءَ إذا حضَرْنَ صلاةَ الرِّجالِ ومَجامِعَهُم يَكُنَّ بمعزِلٍ عنهم خوفًا مِن فتنَةٍ ونحوِها. وفيه أنَّ صدَقةَ التَّطوُّعِ لا تفتقِرُ إلى إيجابٍ وقَبولٍ بل يكفي فيها المعاطاةُ؛ لأنَّهُنَّ ألقَيْنَ الصَّدقةَ في ثوبِ بلالٍ مِن غيرِ كلامٍ منهنَّ ولا مِن بلالٍ ولا مِن غيرِه، وهو صحيحُ مذهبِ الشَّافِعِيِّ، وأكثرُ العراقِيِّينَ يفتَقِرُ إلى الإيجابِ والقَبولِ باللَّفظِ كالهبةِ. وفيه جوازُ صَدَقةِ المرأةِ مِن مالِها، وعن مالكٍ: لا تجوزُ الزِّيادةُ على ثُلُثِ مالِها إلَّا برضا زوجِها.
          سادسُها: قولُه: (يُلْقِيْنَ) كذا هو في «الصَّحيحِ» وهو جائزٌ على لغةِ أكلُونِي البراغيثُ. وفي مسلمٍ: ((وَيُلْقِيْنَ ويُلْقِيْنَ)) مكرَّرٌ وهو صحيحٌ، ومعناه يُلْقِينَ كذا ويُلْقِينَ كذا.
          والخُرْصُ بَضَمِّ الخاءِ المعجَمة ثُمَّ راءٍ ثُمَّ صادٍ مهمَلةٍ، حلقةٌ تكونُ في الأُذُنِ. وفي «البارع»: القُرْطُ يكونُ فيه حَبَّةٌ واحِدةٌ، حكاه ابنُ قُرْقُول. وقال ابنُ الأثير: الخرْصُ بالضَّمِّ والكَسْرِ الحَلَقَةُ الصَّغِيرَةُ مِن الحُلِيِّ، وهو مِن حُلِيِّ الأُذُنِ.
          والسِّخَابُ بسينٍ مهمَلةٍ ثُمِّ خاءٍ معجَمة ثمَّ ألِفٍ ثُمَّ باءٍ موحَّدةٍ، خيطٌ يُنْظَمُ فيه خَرَزاتٌ ويلبَسُهُ الصِّبْيانُ والجوارِي، وقيل: هو قِلادةٌ تُتَّخَذُ مِن قَرَنْفُلٍ ومَحْلَبٍ وسُكٍّ ونحوِه، وليسَ فيها مِن اللُّؤْلُؤِ والجَوهَرِ شيءٌ. ونَقَلَ صاحبُ «المطالِع» عن البُخاريِّ أنَّه القِلادةِ مِن طِيبٍ أو سُكٍّ. وقال غيرُه: هو مِن الْمُعَاذَاتِ. وذَكَرَ في الزَّكاة بَدَلَ السِّخَابِ القُلْبَ وهو الخَلْخَالُ، قاله الخطَّابيُّ. وقال ابن فارسٍ والجوهريُّ: القُلْبُ مِن السِّوارِ ما كانَ قلبًا واحدًا. وحكى النَّحَّاسُ عن يَحيى بن سليمان الجُعفيِّ أنَّه قال: القُلْبُ السِّوارُ. ولم يزِدْ على ذلكَ.
          وقوله: (فَصلَّى رَكْعَتَيْنِ) انعقَدَ الإجماعُ _كما قال ابن بَزِيزَةَ_ على أنَّ صلاةَ العيدِ ركعتانِ لا أكثرُ، إلَّا ما رُوِيَ عن عليٍّ أنَّها في الجامِعِ أربعٌ، فإنْ صُلِّيَتْ في المصَلَّى فهي رَكعتانِ كقولِ الجُمهور كما تعلَمُهُ في بابِ إذا فاته العيد. وفي الحديثِ جوازُ خروجِ النِّساءِ للعيدَينِ، واختَلَفَ السَّلَفُ في خروجِهِنَّ للعيدَينِ، فَرَأَى جماعةٌ ذلكَ حقًّا عليهِنَّ منهُم أبو بكرٍ وعليٌّ وابنُ عمرَ وغيرُهم، وقال أبو قِلابة: قالتْ عائشةُ: كانت الكواعِبُ تُخرَجُ لرسولِ الله صلعم في الفِطْرِ والأضحَى، وكان عَلقَمة والأسوَدُ يُخرِجَانِ نساءَهم في العيدِ ويمنعُونَهنَّ الُجمعةَ.
          ورَوَى ابنُ نافعٍ عن مالكٍ أنَّه لا بأسَ أنْ تُخرَجَ المتَجَالَّةُ إلى العيدَينِ والجُمعةِ وليسَ بواجبٍ، وهو قولُ أبي يوسفَ. ومنهم مَن مَنَعَهُنَّ ذلك، مِنهم عُروةُ والقاسمُ والنَّخعيُّ ويَحيى الأنصاريُّ ومالكٌ وأبو يوسُفَ، وأجازَهُ أبو حنيفَةَ مَرَّةً ومَنَعَهُ أخرى، وقولُ مَن رأى خروجَهُنَّ أصحُّ لشهادةِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ له.
          والمسنَّةُ الَّتي بدَّلَتْ أسنانَها كما قالَ الدَّاوُدِيُّ، وقال غيرُه: هي الثَّنِيَّةُ.
          وقولُه: (وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ) وَفَى وأَوْفَى بمعنًى، وكذا جَزَى وأَجْزَى، فَجَزَى يَجْزِي بمعنَى قَضى يقضِي، وأَجْزَأَ يُجْزِئُ كَفَاهُ وقامَ مقَامَهُ مهمُوزٌ، يُقال هذا يُجزِئُ مِن هذا أي يُغنِي منه، وليسَ هو هنا مهمُوزًا لأنَّ المهمُوز لا يُستعمَلُ معه عَنْ عندَ العرب، إنَّما يقولونَ: هذا يَجْزِي مِن هذا أي يكونُ مكانَه. وفي «الصِّحاح»: جَزَى بِمَعْنَى قَضَى، وبنو تميمٍ يقولون: أَجْزَأَ يُجْزِئُ مهموزٌ.