التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التبكير إلى العيد

          ░10▒ بَابُ التَّبْكِيرِ لِلْعِيْدِ.
          968- وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ: (إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا هَذِهِ السَّاعَةَ، وَذَلِكَ حِيْنَ التَّسْبِيْحِ).
          هذا أخرجَهُ أبو داودَ وابنُ ماجه مِن حديثِ يزيدِ بن خُمَيْرٍ الرَّحَبِيِّ قال: ((خَرَجَ عبدُ الله بن بُسْر صاحبُ النَّبيِّ صلعم مع النَّاسِ يومَ عيدِ فِطْرٍ أو أضحى فأنكرَ إبطاءَ الإمامِ وقال: إنْ كنَّا قَدْ فَرَغْنَا في هَذِهِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ حَيْنَ التَّسْبِيحِ)) ولفْظُ ابن ماجه: ((وَقَال: إنَّا كنَّا فرَغنا سَاعَتِنَا هَذِهِ)) وللبيهقيِّ: ((وَقَالَ: إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم)) واستدرَكَه الحاكِمُ وقال: صحيحٌ على شرْطِ البُخاريِّ.
          و(عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ) بالسِّينِ المهمَلةِ السُّلَمِيُّ، ماتَ فجْأَةً وهو يتوضَّأُ سنةَ ثمانٍ وثمانينَ، وقيل بعدَ ذلكَ، وهو آخِرُ مَن ماتَ مِن الصَّحابةِ بالشَّامِ.
          ثمَّ ذَكَرَ حديث زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ: (خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلعم يَوْمَ النَّحْرِ) الحديث، وقد سَلَفَ.
          أمَّا حُكْمُ البابِ فالإجماعُ قائمٌ على أنَّ العيدَ لا يُصلَّى قبْلَ طلوعِ الشَّمسِ، قال ابنُ بطَّالٍ: ولا عندَ طلوعِها. وفيه نَظَرٌ فمذْهَبُنا يَدخُلُ بطلوعِها، وهو ما حكاه ابنُ التِّينِ عن الشِّيخِ أبي القاسمِ في «تعريفه» ويُسَنُّ تأخيرُها لارتفاعِها قَدْرَ رُمْحٍ، أَلَا تَرَى إلى قولِ عبدِ الله بن بُسْرٍ: (وَذَلِكَ حِيْنَ التَّسْبِيْحِ) أي حين الصَّلاةِ، فَدَلَّ على أنَّ صلاةَ العيدِ سُبْحَةُ ذلكَ اليومِ فلا تُؤخَّرُ عن وقتِها لقولِه صلعم: (أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ) ودلَّ ذلك على التبْكيرِ بصلاةِ العيدِ كما ترجَم به البُخاريُّ، نَعَمْ تُؤخَّرُ في الفِطْرِ وتُعجَّلُ في الأضحى لوُرُودِ السُّنَّةِ به.
          واختلفوا في وقتِ الغُدُوِّ إلى العيدِ، فكانَ ابنُ عمَرَ يصلِّي الصُّبحَ ثُمَّ يغدُو كما هو إلى المصَلَّى، وفَعَلَه سعيدُ بن المسيَّب، وقال إبراهيمُ: كانوا يصَلُّون الفجْرَ وعليهم ثيابُهم يومَ العيدِ، وعن أبي مِجْلَزٍ مِثْلُهُ. وعن رافعِ بن خَدِيجٍ أنَّه كان يجلسُ في المسجدِ مع بَنِيهِ، فإذا طلعتِ الشَّمسُ صلَّى ركَعتينِ ثمَّ يذهبون إلى الفِطْر والأضحَى، وكان عُروةُ لا يأتي العيدَ حتَّى يستقْبِلَ الشَّمسَ، وهُو قول عطاءٍ والشَّعبيِّ. وفي «المدوَّنَةِ» عن مالكٍ: يغدُو مِن دارِه أو مِن المسجِدِ إذا طلعَتِ الشَّمسُ، وقال عليُّ بن زيَادٍ عنه: ومَن غدا إليها قبلَ الطُّلوعِ فلا بأسَ، ولكنْ لا يُكبِّرُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ.
          ولا ينبغي للإمامِ أنْ يأتِيَ المصَلَّى حتَّى تحينَ الصَّلاةُ، وقال الشَّافعيُّ: يأتِي في المصَلَّى حينَ تبرُزَ الشَّمسُ في الأضحى، ويُؤخِّرُ الغُدُوَّ في الفِطْرِ عن ذلك قليلًا. وحديثُ البراءِ دالٌّ أنَّه لا يجِبُ أن يُشتَغَلَ بشيْءٍ غيرِ الأُهْبةِ له والخروجِ إليه، وألَّا يُفعَلَ قبلَ الصَّلاةِ شَيءٌ غيرُها.