التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب النحر والذبح يوم النحر بالمصلى

          ░22▒ بَابُ النَّحْرِ والذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ.
          982- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنِ عمرَ (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يَنْحَرُ، أَوْ يَذْبَحُ بِالْمُصلَّى).
          الذَّبْحُ بالمصُلَّى لِمعنيَينِ:
          أحدُهما: الإعلامُ بذبْحِ الإمامِ ليترتَّبَ عليه ذَبْحُ النَّاسِ، ووَقتُه سَلَفَ، وهو المشهورُ مِن قولِ مالكٍ، وقال أبو حنيفةَ: مَن ذَبَحَ بعدَ الصَّلاةِ قبْلَ الإمامِ أجزَأَهُ. دليلُنا قولُه: ((فَأَمَرَ ◙ مَن كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أن يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، ولا تَنْحَرُوا حتَّى يَنْحَرَ النَّبيُّ صلعم)) وهذا المعنى يختصُّ بالإمام.
          الثَّاني: أنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِن القُرَبِ العامَّةِ وإظهارُها أفضلُ، لأنَّ فيه إحياءً لِسُنَّتِها، وقد أَمَرَ ابنُ عمَرَ نافعًا أن يذبحَ أُضْحِيَّتِهِ بالمصَلَّى وكانَ مريضًا لم يشْهَدِ العيدَ، أخرجه في «الموطَّأ». وقال ابنُ حبيبٍ: يُستحبُّ الإعلانُ بها لكي تُعرَفَ ويَعْرِفَ الجاهلُ سنَّتَهَا، وكان ابنُ عمَرَ إذا ابتاع أُضْحِيَّةً يأمُرُ غلامَهُ بحمْلِها في السُّوقِ يقولُ: هذه أُضْحِيَّة ابنِ عمرَ، وهذا المعنى يستوي فيه الإمامُ وغيرُه.
          قال الدَّاودِيُّ: الأحاديثُ كلُّها مَن ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي لَمْ يُجْزِهِ، وقال مالكٌ: مَن ذَبَحَ قَبْلَ الإمامِ لمْ يُجْزِهْ.
          ومَن كان بحضْرَةِ الإمامِ ولم يُظْهِرِ الإمامُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ ففي كتابِ محمَّدٍ: إنْ ذَبَحَ رَجُلٌ قَبْلَهُ في وَقْتٍ لو ذَبَحَ الإمامُ بالمصَلَّى لكان هذا ذَبَحَ بعْدَه لم يَجُزْ، وقال أبو مصعبٍ: إذا تَرَكَ الإمامُ الذَّبْحَ بالمصَلَّى فَمَنْ ذَبَحَ بعْدَ ذلكَ فهو جائزٌ.
          وقال ابن بطَّالٍ: السُّنَّة والله أعلمُ الذَّبْحُ في المصَلَّى لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الإمامَ بالذَّبْحِ، ولَمَّا كانت أفعالُ العيدينِ والجماعاتُ إلى الإمامِ وجبَ أنْ يكونَ متقدِّمًا في ذلكَ والنَّاسُ له تَبَعٌ، ولهذا قال مالكٌ: لا يذبَحُ أحدٌ حتَّى يذبَحَ الإمامُ، ورُوِيَ مِثْلُ قولِ مالكٍ أَثَرٌ انفرَدَ به ابن جُرَيجٍ، وأكثَرُ الآثارِ على مراعَاةِ الصَّلاةِ فقطْ، وإنَّما قال مالكٌ ذلكَ ليكونَ للضُّعَفَاءِ وقتٌ يقصِدُونَه للصَّدَقَةِ فلا يجيؤُون حتَّى يَعُمَّ النَّاسَ الأفضالُ ويستَوِيَ بهم الحالُ، ويكتَفِيَ الضُّعَفَاءُ بقيَّةَ قُوْتِهم.
          ولم يختلفُوا أنَّ مَن رَمَى الجمرةَ أنَّه قد حلَّ له الحَلْقُ والذَّبحُ وإنْ لم يذَبَحِ الإمامُ إلَّا بعدَ ذلك، فكَذلك عندَهم مَن صلَّى يومَ النَّحْرِ أنَّ المعنَى المتعبَّدَ به الوقتُ لا الفِعْلُ، وقد أجمَعُوا أنَّ الإمامَ لو لم يذبَحْ يومَ النَّحْرِ أصْلًا ودَخَلَ وقتُ الذَّبْحِ أنَّ الذَّبْحَ حلالٌ.