التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج

          ░4▒ بَابُ الأَكْلِ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ الخُرُوْجِ.
          953- ذَكَرَ فيه حديث هُشَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ). وَقَالَ مُرَجَّأُ بنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبيِّ صلعم: (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا).
          الشَّرْحُ: هذا الحديثُ مِن أفرادِ البُخاريِّ. قال أبو مسعودٍ الدِّمشقِيُّ: هذا مِن قديمِ حديثِ هُشَيمٍ وعندَه فيه طريقٌ آخَرُ، يعني المخرَّجَ عندَ التِّرمِذِيِّ عن قُتَيبَةَ عنه عن محمَّد بن إسحاقَ عن حفصِ بن عُبيدِ الله بن أنسٍ عن جدِّه أنسٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يُفْطِرُ عَلَى تَمَرَاتٍ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى)) قال التِّرمِذِيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وقال الدَّارَقُطنيُّ: رواهُ عليُّ بن عاصمٍ عن عُبيدِ الله، وتابَعَهُ أبو الرَّبيعِ فرواه عن هُشَيمٍ عن ابن إسحاقَ عن حفصٍ.
          وقد أنكَرَ أحمدُ حديثَ أبي الرَّبيعِ عن هُشَيمٍ _يعني المخرَّجَ في «صحيحَي» أبي نُعيمٍ والإسماعيلِيِّ_ وقال: هُشَيْمٌ مُدَلِّسٌ. وقد رَوَى عنه ابنُ أبي شيبة هذا الحديثَ عن محمَّد بن إسحاقَ، عن حفصِ بن عُبيدِ الله بلفظِ: ((كانَ النَّبيُّ صلعم يُفْطِرَ يومَ الفِطْرِ عَلَى تَمَرَاتٍ، ثُمَّ يَغْدُو)) وأخبَرَنَاهُ محمَّد بن زيَّادٍ حدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيع حدَّثَنا هُشَيمٌ مثلَه. وقال المِزِّيُّ في «أطرافِه»: تابَعَهُ عمْرُو بن عونٍ الواسِطيُّ عن هُشَيمٍ، قال: ورَوَاه سعيدُ بن سليمانَ وجُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عن هُشَيم عن عُبيدِ الله عن أنسٍ.
          وأمَّا / التَّعليقُ المذكورُ فأخرجهُ أحمدُ عنْ حَرَمِيِّ بْنُ عُمَارَةَ عن مُرجَّإٍ به. ورواهُ أبو نُعَيم مِن حديثِ هاشمِ بن القاسِمِ حدَّثَنا مُرجَّأٌ به، ولفظُه: ((كَانَ لَا يَخْرُجُ حتَّى يَأكُلَ تَمَراتٍ في يَوْمِ الفِطْرِ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا)) ورواهُ الإسماعيلِيُّ أيضًا كذلِكَ، ورَواهُ هو والدَّارَقُطْنِيُّ مِن حديثِ أبي النَّضْرِ حدَّثَنا مُرجَّأُ. قلتُ: ومُرجَّأ ضعَّفَهُ يَحيى وأبو داودَ مَرَّةً، وقال مَرَّةً: صالِحٌ، وقال أبو زُرعَةَ: ثِقَةٌ.
          وله طريقٌ آخَرُ رواهُ عمرُو بن عونٍ عن هُشَيمٍ عن حفصٍ عن أنسٍ أخرَجَهُ البَيْهَقِيُّ. وروَاهُ الإسماعيلِيُّ مِن طريقِ زهيرٍ حدَّثَنا عُتْبَةُ بن حُمَيدٍ الضَّبِّيُّ حدَّثَني عُبيدُ الله بن أبي بكرٍ عن أنسٍ قال: ((ما خَرَجَ رَسُول الله صلعم يومَ فِطْرٍ حتَّى يأكلَ تَمَراتٍ ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أقلَّ مِن ذلكَ أو أكثرَ وِترًا)).
          وله شواهدُ منها حديثُ بُرَيدةَ: ((كانَ رَسُولُ اللهِ صلعم لا يَغْدُو يومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ يَومَ الأَضْحَى حتَّى يَرْجِعَ)) أخرجَهُ التِّرمِذِيُّ وابنُ ماجه، وللبَيْهَقِيِّ: ((فَيَأكُلُ مِن كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ)) ومنها حديثُ ابنِ عمرَ: ((كانَ رَسُولُ اللهِ صلعم لا يَغْدُو يومَ الفِطْرِ حتَّى يُغدِّيَ أَصْحابَهُ مِن صَدَقةِ الفِطْرِ)) أخرجهُ ابنُ ماجه مِن حديثِ عُمَرَ بن صُهْبَان _وهو متروكٌ_ عن نافعٍ عنه.
          وروى التِّرمِذِيُّ محسِّنًا عن الحارِثِ عن عليٍّ قال: ((مِنَ السُّنَّة أن يَطْعَمَ الرَّجُل يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلى الْمُصَلَّى)) وأخرجه الدَّارقُطْنِيُّ عنه وعنِ ابن عبَّاسٍ. وفي «الموطَّأ» عن ابن المسيَّب: إنَّ النَّاسَ كانوا يُؤمرون بالأَكْلِ قبلَ الغُدُوِّ يومَ الفِطْرِ. وللشَّافِعِيِّ: حدَّثَنا إبراهيمُ بن محمَّدٍ أخبرني صَفْوان بن سُلَيمٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ يَطْعَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلى الجَبَّانِ، ويأمُرُ بِهِ)) وهذا مرسلٌ، وقد رُوِيَ مرفوعًا عن عليٍّ، ورواه الشَّافِعِيُّ بمعناه عن ابن المسيَّب وعُروَةَ بن الزُّبَيرِ.
          وفي «المصنَّفِ» مِن حديثِ ابن عَقِيل عن عطاءِ بن يَسار عن أبي سعيد الخُدريِّ قال: ((كانَ النَّبيُّ صلعم يَأْكُلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلى الْمُصَلَّى)) زاد البزَّار في «مسنَدِه»: ((فَإِذا خَرَجَ صَلَّى رَكْعَتَين للنَّاسِ، فَإِذَا رَجَع صَلَّى في بيْتِهِ رَكْعَتَين، وكَانَ لا يُصَلِّي قَبْلَ الصَّلَاةِ شيئًا. يَعْنِي يَوْمَ العِيْدِ)) وفيه أيضًا مِن حديثِ الحَجَّاج عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ قال: ((إنَّ مِنَ السُّنَّة أن يُخْرِجَ صَدَقة الفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ، ولا يَخْرُجَ حتَّى يَطْعَمَ)).
          وعن الشَّعبيِّ قال: إنَّ مِن السُّنَّةِ أنْ تَطْعَمَ قبْلَ الفِطْرِ قَبْلَ أن تَغْدُوَ، وتؤخِّرَ الطَّعامَ يوم النَّحْر حتَّى ترجِعَ. وعن السَّائبِ بن يزيدٍ قال: مضتِ السُّنَّة أنْ تأكُلَ قَبْلَ أن تغْدُوَ يومَ الفِطْرِ. وعن أبي إسحاقَ عن رَجُلٍ مِن الصَّحابةِ أنَّه كان يأمُرُ بالأكل يومَ الفِطْرِ قبْلَ أنْ يأتِيَ المصَلَّى. وحَكَاُه عن معاويةَ بن سُويدِ بن مُقَرِّنٍ وابنِ مُغَفَّلٍ وعُرْوةَ وصَفوانَ بن مُحْرِزٍ وابنِ سِيرينَ وعبدِ الله بن شدَّادٍ والأسود بن يزيدٍ وأمِّ الدَّرداء وعمرَ بن عبد العزيزِ ومجاهدٍ وتميمِ بن سَلَمة وأبي مِجْلَزٍ. وعن عُبيدِ الله بن نُميرٍ حدَّثَنا عُبيدُ الله عن نافِعٍ عن ابن عمَرَ أنَّه كان يخرُجُ يومَ العيدِ إلى المصَلَّى ولا يَطْعَمُ شيئًا.
          وحدَّثَنا هُشَيمٌ أخبرَنا مغيرةٌ عن إبراهيمَ قال: إنْ طَعِمَ فَحَسنٌ، وإنْ لم يَطْعَمْ فلا بأسَ. وحكاه الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابن مسعودٍ: إنْ شاءَ أَكَلَ وإنْ شَاءَ لم يَأْكُلْ. وعن النَّخَعيِّ مِثْلُه.
          أمَّا حُكمُ المسألَةِ فالأكلُ يومَ الفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ مستحَبٌّ لِمَا ذكرناهُ، وكان بعضُ التَّابعينَ يأمرُهُم بالأكْلِ في الطَّريقِ، قال ابنُ المنذر: والَّذي عليه الأكثَرُ استحبابُ الأكلِ. وفُرِّق بين العيدَينِ في المعنى بأنَّ ما قَبْلَ الفِطْر يحرُمُ الأكْلُ فيه فخالَفَ، وبأنَّه يشارِكُ الفقراءَ في الفِطْرِ؛ لأنَّه يُخْرِجُ فِطرَتَه قَبْلَ الصَّلاةِ.
          فإن قلتَ: ما الحكمةُ في الفطْرِ على تمراتٍ؟ قلتُ: لأنَّه صلعم كان يحبُّ الحَلْواءَ. وقال الدَّاودِيُّ: لأنَّه مثَّلَ النخْلَةَ بالمسلم، ولأنَّه قيل إنَّها الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ. فإن قلتَ: فما الحكمةُ في كونِها وِترًا؟ قلتُ: لأنَّه صلعم كان يحبُّ الوِترَ في كلِّ شيءٍ استشعارًا بالوحدانِيَّةِ، فإنَّه وِترٌ يحِبُّ الوِتْرَ.