التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة

          ░12▒ بَابُ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنىً وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفةٍ؟
          (وَكَانَ عُمَرُ ☺ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا).
          وهذا رواهُ البَيْهَقِيُّ مِن حديثِ عطاءٍ عن عُبيدِ الله بن عُمَرَ أنَّ عُمَرَ كان يكبِّر، فَذَكَرَهُ وفيه ((لِيَسْمَعَهُ أَهْلُ السُّوقِ فَيُكَبِّرونَ)).
          ومعنى (تَرْتَجَّ مِنًى) تتحرَّكُ وتضْطَرِبُ، فهو شِبْهُ الزَّلْزَلَةِ وهو مجازٌ، والمعنى يَرْتَجُّ الحاضرونَ بهم، وهذا عبارةٌ عن كثْرَةِ المكبِّرين ورَفْعِ أصواتِهم.
          ذَكَرَ هذا في «الموطَّأ» عن عُمَرَ فقال: خَرَجَ عُمَرُ الغَدَ مِن يومِ النَّحْرِ حينَ ارتَفَعَ النَّهارُ شيئًا فكبَّرَ وكبَّرَ النَّاسُ معه، ثُمَّ خَرَجَ الثَّانيةَ بعْدَ ارتفاعِ النَّهارِ فكبَّرَ وكبَّرَ النَّاسُ بتكبيرِه، ثُمَّ خَرَجَ حينَ زَاغَتِ الشَّمسُ فكبَّرَ وكبَّرَ النَّاسُ معه حتَّى بَلَغَ البيتَ فتعرَّفْتُ أنَّ عُمَر خَرجَ يَرْمِي. وهذا منه على معنى التَّذكيرِ للنَّاسِ على ذَكَرَهُ؛ لِمَا رُوي أنَّه صلعم قال: ((أَيَّامُ مِنىً أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذَكْرِ اللهِ)) وخافَ الغفْلَةَ على النَّاسِ عن ذِكْر اللهِ تعالى، وقد قالَ ابنُ حَبيبٍ: ينبغِي لأهْلِ مِنًى أنْ يُكبِّروا أوَّلَ النَّهارِ وإذا ارتَفَعَ، ثُمَّ إذا زالتِ الشَّمسُ ثُمَّ بالعَشِيِّ، وكذا فَعَلَ عمرُ ☺.
          ثُمَّ قال البُخاريُّ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا) وهذا أيضًا ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ فقال: ويُذكَرُ عن ابنِ عُمَرَ... إلى آخِرِه.
          والفُسْطاطُ بيتٌ مِن شَعْرٍ، فيه ثلاثُ لغاتٍ حكاها في «الصِّحاح»: فُسْطَاطٌ وفُسْتَاطٌ وفُسَّاطٌ، قال: وكَسْرُ الفاءِ لغةٌ فيهِنَّ، وهو عند ابنِ فارسٍ ضَرْبٌ مِن الأَبْنِيَةِ.
          ثُمَّ قال البُخاريُّ: (وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ) وهذا أيضًا ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ أيضًا هكذا، وذَكَرَ أيضًا قولَه في البُخاريِّ: (وَكَانَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ) قال البَيْهَقِيُّ: وكان الشَّعبِيُّ وإبراهيمُ النَّخَعِيُّ يقولان هذا القولَ.