التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة

          ░7▒ بَابُ الْمَشْيِ والرُّكُوبِ إلى العِيْدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ.
          957- 958- 959- 960- 961- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنَ عمرَ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلاَةِ).
          ولا يُطابِقُ التَّبويبَ، نعَمْ فيه إشعارٌ بعَدَمِ الأذانِ والإقامةِ.
          وأوَّلُ مَن أحدَثَ الأذانَ في العيدِ معاويةُ أو زيَادٌ، وهو الأشبهُ عندَ القُرطُبيِّ، أو هشامٌ أو مروانُ، قاله الدَّاودِيُّ، أو عبدُ الله بنُ الزُّبَيرِ، ذَكَرَهُ ابنُ المنذِرِ في «الإشراف» وحكاه ابنُ التِّينِ عن أبي قِلابةَ، أقوالٌ. وقال الشَّعبيُّ والحَكَمُ وابن سيرين: الأذانُ لهما بِدْعةٌ ويُنادَى فيهما: الصَّلاةُ جامعةٌ.
          وأمَّا المشْيُ إلى العيدِ ففي التِّرمِذِيِّ عن عليٍّ: ((مِنَ السُّنَّة أَنْ يَخْرُجَ إلى العِيْدِ مَاشِيًا)) ولابن ماجه من حديث جماعة ((أنَّهُ صلعم كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ مَاشِيًا)) وكذا قاله عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وفَعَلَه عمرُ، وكانَ إبراهيم يكره الرُّكوبَ إليهِما، وأتى الحسَنُ العيدَ راكبًا.
          ثُمَّ ذَكَرَ البُخاريُّ في البابِ أيضًا حديثَ جابرٍ (أنَّهُ صلعم خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ) الحديث بِطُولِه.
          وأخرجه مسلمٌ أيضًا ولا يُطابِقُ التَّبويبَ، نَعَمْ فيه إشعارٌ بما سَلَفَ أيضًا، قال التِّرمِذِيُّ: والعمَلُ عندَ أهلِ العلمِ مِن الصَّحابةِ وغيرِهم أنَّه لا يؤذَّنُ لهما ولا لشيءٍ مِن النَّوافِلِ.
          وفيه مِن الفوائِدِ: الابتداءُ بالصَّلاةِ قبْلَ الخُطبةِ. والخُطبةُ على مرتَفَعٍ، وإليه يشير قولُه: ((فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ)). وأنَّ النِّساءَ يحضُرْنَ العيدَينِ، والأمْرُ لهُنَّ بالصَّدَقَةِ.
          وقولُه: (وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يَفْعَلُوا؟) يُريدُ بذلكَ التأسِّيَ لهُم، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] وفي أبي داودَ _وهي مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ لا جابرٍ_ ((أنَّ ما تصدَّقْنَ به قَسَمَهُ بينَ فقراءِ المسلمينَ)).
          وحاصِلُ مسائلِ البابِ ثلاثةٌ:
          إحداها: المشْيُ إلى العيدِ لأنَّه مِن التَّواضُعِ والرُّكوبُ مباحٌ، ومِمَّن استحبَّ عدمَ الرُّكوبِ الأربعةُ والثَّوريُّ وجماعةٌ، وقال مالكٌ: إنَّما نَجِيءُ نمشِي ومكانُنَا قريبٌ، ومَن بَعُدَ ذلك عليهِ فلا بأْسَ أنْ يركَبَ. وكان الحَسَنُ يأتِي العيدَ راكبًا. وكَرِهَ النَّخَعِيُّ الرُّكوبَ في العيدَينِ والجُمعةِ.
          ثانِيها: الصَّلاةُ قبْلَ الخُطبَةِ، وهو إجماعٌ مِن العُلماءِ قديمًا وحديثًا إلَّا ما كانِ مِن بني أُمَيَّة مِن تقديمِ الخُطبةِ، وقد تقدَّم ذلكَ، ورُوِيَ عن ابنِ الزُّبيرِ مِثْلُهُ.
          ثالثُها: أنَّ سُنَّةَ صلاةِ العيدِ ألَّا / يؤذَّن لها ولا يُقام، وهو قولُ جماعةِ الفقهاءِ بل هو بِدْعةٌ كمَا سَلَفَ. وقال عطاءٌ: سألَ ابنُ الزَّبَيرِ ابنَ عبَّاسٍ _وكانَ الَّذي بينَهُما حَسَنٌ_ فقال: لا يؤذِّنُ ولا يُقيمُ، فلمَّا ساءَ ما بينَهُمَا أذَّن وأقامَ.
          وقولُه: (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويِعَ لَهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ الفِطْرِ، إِنَّمَا الخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ) سببُ إرسالِه بما ذَكَرَ لِيُبَيِّنَ أنَّهُ خَشِيَ أن يفعَلَ ابنُ الزُّبيرِ ذلكَ، وهذا لا خلافَ فيه بينَ فقهاءِ الأمصارِ ولا في الصَّدْرِ الأَوَّلِ.
          وفي الحديثِ شهودُ النِّساءِ صلاةَ العيدِ. والتَّوكُّؤُ على يَدِ بعضِ أصحابِه. وفضْلُ بلالٍ ولعلَّه خُصَّ به لأنَّه الَّذِي يُؤْذِنُهُ لِصَلاةِ المكتُوبة ويَحْمِلُ العَنَزَةَ بينَ يدَيْهِ. وفيه الأمْرُ بالصَّدَقَةِ للنِّساءِ، وخَصَّهُنَّ بذلك في قولِ بعض العلماءِ لقولِه: ((رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلُ النَّارِ)) واحتُجَّ بهذا الحديثِ لِوجوبِ زكاةِ الحُلِيِّ، وهو قولُ أبي حنيفة، واحتُجَّ به في تقديمِ الزَّكاةِ لأنَّه لم يسْأَلْهُنَّ هل وجبَتْ أم لا؟ وفيهِمَا نَظَرٌ. وكذا مَن أَخَذَ منه جوازَ فِعْلِ البِكْرِ وذاتِ الزَّوجِ في أكثَرَ مِن ثُلُثِها.
          وقولُ عطاءٍ: ذلكَ حقٌّ على الإمامِ، لقولِه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].