التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم

          ░9▒ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السَّلَاحِ في العِيْدِ وَالحَرَمِ.
          وقال الحَسَنُ: نُهُوا أن يَحْمِلُوا السِّلاحَ يَوْمَ عِيْدٍ إلَّا أن يَخَافُوا عَدُوًّا. /
          966- 967- وذَكَرَ فيه عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ قال: (كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ) الحديث. وفي إسناده (الْمُحَارِبِيُّ) وهو عبدُ الرَّحمن بنُ محمَّدٍ الكوفيُّ، ماتَ سنةَ خمسٍ وتسعينَ ومِئةٍ.
          وشيخُ البخاريِّ فيه (زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحيى أَبُو السُّكَيْنِ) بِضَمِّ السِّينِ طائيٌّ كوفيٌّ، ماتَ سنةَ إحدى وخمسين ومِئتين، انفَرَدَ به البُخاريُّ عن الخمسةِ، وجَدُّهُ الأعلى خُرَيم بن أوسٍ له صحبةٌ. وروى البخاريُّ أيضًا عن زكرِيَّا بن يحيى بن صالحٍ البَلْخيِّ في الوُضوء والتيمُّم والمزارَعَةِ، مات بعد الثَّلاثين ومئتين، وفي طبقتِهِمَا زَكرِيا بنُ يَحيى، آخَرَانِ أحدُهُما قُضَاعِيٌّ مِصريٌّ أخرجَ له مسلمٌ وحْدَهُ. وثانيهِما خيَّاطُ السُّنَّةِ رَوَى عنهُ النَّسائيُّ ووثَّقَهُ.
          والسِّنَانُ حديدَةٌ في الرُّمْح.
          والأَخْمَصُ ما رَقَّ مِن أسفَلِ القَدَمِ، وقال يعقوب: المتَجَافِي عن الأرضِ مِن بَطْن القَدَمِ، وقال الخليلُ: الأَخْمَصُ خَصْرُ القَدَمِ والجمْعُ الأخامِصُ، قَدَمٌ مُخَصَّرَةٌ ومَخْصُورَةٌ إذا كان في أَرْسَاغِها تَخْصِيرٌ، كأنَّهُ مربوطٌ، أو فيه مَحَزٌّ مُسْتَدِيرٌ.
          وذَكَرَ فيه البُخاريُّ أيضًا عن (أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ الحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟) الحديث. زاد الإسماعيليُّ: وذلكَ أنَّ النَّاسَ نفَرُوا عَشِيَّةَ نَفَرَ، ورَجُلٌ مِن أصحابِ الحَجَّاج عارِضٌ حَرْبَتَه، فَضَرَبَ ظَهْرَ قَدَمِ ابنِ عمرَ فأَصْبَحَ وَهِنًا منها حتَّى ماتَ.
          وأحمدُ شيخُ البُخارِيِّ رَوَى عنه في المناقِبِ أيضًا مِن أفرادِ البُخاريِّ، يُقال له المسعُودِيُّ وهو كوفيٌّ. وإسحاقُ بنُ سعيدٍ هو أخُو خالدِ بن سعيدٍ وابنُ عمِّ إسماعيلَ بنِ أُمَيَّةَ بن عمرِو بن سعيدٍ، ماتَ سنةَ سبعينَ ومئة، وقيل ستٍّ وسبعين.
          إذا عرفتَ ذلكَ، فقَوْلُ ابنِ عمَرَ: (حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ) يدُلُّ أنَّ حَمْلَها ليسَ مِن شأْنِ العيدِ، وحَمْلُها في المشَاهِدِ الَّتي لا يحُتاجُ إلى الحرْبِ فيها مكروهٌ لِمَا يُخشَى فيها مِن الأذى والعقْرِ عندَ تزاحُمِ النَّاسِ، وقد قال صلعم للَّذِي رآه يحمِلُه: ((أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا لا تَعْقِرَنَّ بها مُسْلِمًا)) فإنْ خافُوا عدُوًّا فمباحٌ حمْلُها كما قال الحسَنُ، وقد أباحَ الله تعالى حَمْلَ السِّلاحِ في الصَّلاةِ عندَ الخوفِ.
          وقولُه: (وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ) إنَّما ذلَك للأمْنِ الَّذي جعلَه الله لجماعةِ المسلمينَ فيه لقولِه تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:97].
          وقولُه للحَجَّاجِ: (أَنْتَ أَصَبْتَنِي) دليلٌ على قَطْعِ الذَّرائِعِ لأنَّه لامَهُ على ما أدَّاهُ إلى أذَاهُ، وإنْ كان الحَجَّاج لم يقصِدْ ذلك.
          وقولُه: (لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ) أي لعاقَبْتُهُ.
          ثُم فيه فوائدُ أُخَرُ: عِيادَةُ الأميرِ العالِمَ. وتلطُّفُ الحَجَّاج لابنِ عُمَرَ. وإنكارُ ابنِ عُمَرَ على الحَجَّاجِ إدخالَ السِّلاحِ الحَرَمَ وأَنْ يُحمَلَ في ذلك اليومِ، وسياقُ ذِكْرِ مِنًى يدلُّ على أنَّه العيدُ وهو مطابقٌ لترجَمَةِ البُخاريِّ، وأثَرُ الحسن صريحٌ. وأنَّ مَن سنَّ سُنَّة كان عليه كِفلٌ منها.
          قال البَيْهَقِيُّ: ورُوِينَا عن الضَّحَّاكِ بن مُزَاحِمٍ عن رسولِ الله صلعم مُرسَلًا ((أنَّه نَهى أنْ يُخرَجَ يومَ العِيدِ بالسِّلاح)).