التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب سنة العيدين لأهل الإسلام

          ░3▒ بَابُ سُنَّةِ العِيْدَيْنِ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ.
          951- 952- ذَكَرَ فيه حديثَ البراءِ وحديثَ عائشةَ.
          فأمَّا حديثُ عائشةَ فسَلَفَ الكلامُ عليه في البابِ قَبْلَهُ. وأمَّا حديثُ البراء: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا).
          وقد أخرجه البُخاريُّ مُطوَّلًا ومختصَرًا في هذا الكتابِ _أعنِي صلاةَ العيدين_ [خ¦955] [خ¦965] [خ¦968] [خ¦976] [خ¦983] وأخرجَهُ في الأُضحيَّةِ في ثلاثةٍ مواضع [خ¦5545] [خ¦5560] [خ¦5563] وفي الأيمان والنُّذُور [خ¦6673] وأبو داود والتِّرمذِيُّ في الأضاحي، والنَّسائيُّ هنا والأضاحي.
          و(حَجَّاجٌ) شيخُ البخاريِّ فيه هو ابنُ مِنْهَالٍ.
          و(زُبَيْدٌ) بِضَمِّ الزَّايِ ثمَّ باءٍ موحَّدَةٍ هو ابنُ الحارِثِ اليَامِيُّ الكُوفيُّ، ماتَ سنةَ اثنتينِ أو أربعٍ وعشرين ومئة، وقدْ أسْلَفْنَا أنَّ كُلَّ ما في البُخاريِّ زُبَيْدٌ، فهو بالبَاءِ الموحَّدَةِ، وكلَّ ما في «الموطَّأ» فهو بالياءِ المثنَّاةِ.
          واختلَفَ العلماءُ في صلاةِ العيدَينِ: فعندَنَا أنَّها سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وقال الإصْطَخْرِيُّ فرضُ كفايةٍ، وهو مذهَبُ أحمدَ وقولٌ في مذهبِ أبي حنيفةَ ومالكٍ، وهو قولُ ابنِ أبي ليلى. والصَّحيحُ عندَ مالكٍ كمذْهَبِنَا. وعندَ الحنفِيَّةِ أنَّها واجبةٌ، وقيل سُنَّةٌ مؤكَّدة كمذَهَبِنَا، ونَقَلَ القُرْطُبِيُّ عن الأصمَعِيِّ أنَّها فَرْضٌ.
          وقولُه: (فَنَنْحَرَ) يَستدِلُّ به مَن يرى أنَّ النَّحرَ كصلاةِ العيدِ سُنَّةً وواجِبًا.
          وفيه أنَّ الخُطبَةَ للعيدِ بعدَ الصَّلاةِ؛ فإنَّ قولَه: (أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ) والنَّحْرُ لا يكون إلَّا بعدَ الصَّلاةِ، ولو ذَبَحَ قبْلَ مُضِيِّ قَدْرِ الصَّلاةِ لم يُجْزِ عندَنَا كما ستعَلمُهُ في بابِه، وأبو حنيفةَ اعتَبَر الفراغَ مِن الصلاة، ومالكٌ اعتَبَرَ صلاةَ الإمامِ وذَبْحَهُ إلَّا أنْ يُؤخِّرَ متعَدِّيًا فيسقُطَ الاقتداءُ به. وفيه التَّعليم في الخُطبة.
          واختُلف فيمن يخاطَبُ بالعيد، فَرَوَى ابنُ القاسم عن مالكٍ في القريةِ فيها عِشرونَ رَجُلًا: أرى أن يصلُّوا العيدين. وروى ابنُ نافع عنه: أنَّه ليس ذلك إلَّا على مَن تجِبُ عليه الجُمعةُ، وهو قولُ اللَّيثِ وأكثَرِ أهلِ العلمِ فيما حكاه ابنُ بطَّال، وقال ربيعةُ: كانوا يرَوْنَ الفرسَخَ وهو ثلاثةُ أميالٍ، وقال الأوزاعِيُّ: مَن آواهُ اللَّيلُ إلى أهْلِهِ فعَلَيْهِ الجُمعةُ والعيدُ، وقال ابنُ القاسمِ وأشهَبُ: إنْ شاءَ مَن لا تلزمُهُمُ الجُمعةُ أنْ يُصَلُّوها بإمامٍ فَعَلُوا، ولكن لا خُطبَةَ عليهِم، فإنْ خُطِبَ فَحَسَنٌ.