التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الشرب في آنية الذهب

          ░27▒ (بَابُ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَب).
          5632- ذكر فيه حديثَ ابن أبي ليلى قَالَ: (كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إلَّا أنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلعم نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَب وَالفِضَّة وَقَالَ: هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ).
          الشرح: هذا الحديث مذكورٌ في الأطعمة [خ¦5426] وكُرِّر بعدُ أيضًا، والشُّرْب في أواني الذَّهَب والفِضَّة / حرامٌ بالإجماع ولا عِبرة لمن شذَّ فيه، ولأنَّه مِن باب السَّرَف إذ قد جعلهما الله قَوَامًا للناس وأثمانًا لمعايشهم وقيمًا للأشياء، فكره استعمالها في غير ذلك إلَّا ما أباحَتْه السُّنة للرِّجال مِن السَّيف والخاتمِ والمُصْحَفِ والحُلِيِّ للنِّساء، كذا ذكره ابن بطَّالٍ.
          فأمَّا ما ذكره مِن تَحْلِية السَّيف فهو بالفِضَّة، وأما الخاتم فمن الفِضَّة، والمُصْحَف يحلَّى بالفِضَّة للرَّجُل، وللمرأة بذهبٍ، وأمَّا الحُلِيُّ فإجماعٌ.
          وقوله: (هِيَ لَكُمْ...) إلى آخره مثل قوله ◙ في الحرير: ((إنَّما يلبسُ هذه مَن لا خَلَاقَ له في الآخرة))، وهم الكفَّار لأنَّه لَمَّا كان الحريرُ لباسهم في الدُّنْيَا وآثروه على ما أعدَّ الله في الآخرة لأوليائه وأحبُّوا العاجلة ذمَّهم الشارع بذلك ونهى المسلمين أن يتشبَّهوا بالكفَّار المُؤْثِرِين للدُّنيا على الآخرة، ولئلَّا يدخلوا تحت قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا...} الآية [الأحقاف:20]، وقالَ مالكُ بن دينارٍ: قرأتُ فيما أنزل الله ╡: {قُلْ لأَوليائي لا تَطْعَمُوا مَطَاعِمَ أعدائي ولا تَلْبَسوا ملابسَ أعدائي فتكونوا أعدائي كما هُم أعدائي}.
          فَرْعٌ: في اتِّخَاذ أوانيهما وجهانِ أو قولان عندنا، والأصحُّ: المنع قياسًا على استعماله، والخِلاف عند المالكيَّةِ أيضًا إذا اتخذها للتجمُّل خاصَّة، ونسب ابنُ التِّين الجوازَ للشَّافعِيِّ وهو أحدُ قوليهِ، كبيعِهِ.