التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الشرب من فم السقاء

          ░24▒ (بَابُ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ).
          5627- ذَكر فيه حديث عِكْرِمَةَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ حَدَّثَنَا بِهَا أبو هُرَيْرَةَ ☺؟ نَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوِ السِّقَاءِ، وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ).
          5628- وعنه عن أبي هُرَيْرَةَ أيضًا: (نَهَى النَّبِيُّ صلعم أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ).
          5629- وعنه عن ابنِ عبَّاسٍ ☻: (نَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ).
          الشَّرح: سلف في الباب قبلَهُ أنَّ النَّهي عن الشُّرْب مِن فِي السِّقَاء نهيُ أدبٍ لا تحريمٍ، وسلف الجواب عمَّا عارضَهُ، ورُوي عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أنَّ رجلًا شَرِبَ مِن فِي السِّقَاء فانسابَ جانٌّ في بطنهِ، فنهى النَّبِيُّ صلعم عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِية، وقد سلفَ.
          وهذا يدلُّ أنَّ مَن فعل ذلك ليس بحرامٍ عليه شربُهُ، قال ابن المُنيِّر: لم يستغنِ البُخَارِيُّ بالترجمة التي قبلَها وعدلَ عنها لاحتمالِ أن يُظنَّ أنَّ النَّهي عن صورة اختناثها، فبيَّن بالترجمة الثانية أن النص مطلقٌ فيما يُختنَثُ وفيما لا يُختنَثُ كالفَخَّار مثلًا، وترجم: باب الشرب، والمقصود النَّهي عنه لكن لمَّا كان أصلُ النَّهي وقوع المنهيِّ عنه جاز ذلك، فكأنَّه قال: ما جاز في هذا الفعل الذي وقع في النَّهي.
          فصْلٌ: قوله: (مِنْ فَمِ)، وقال مرَّة: (مِنْ فِي)، والفمُ لا يخلو أن يُفردَ فتلزمه الميم المعوَّضة مِن الواو أو يُضاف إلى مضمر فيكون مُعربًا بالحروف، ولا تدخله الميم إلَّا في الشِّعر، كقوله:
يَصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي البَحْرِ فَمُهْ
          وإن أضفتَه إلى اسمٍ مضمرٍ ظاهرٍ جاز لك الوجهان: إثبات الميم وإعرابه بالحركات، وحذفها وإعرابه بالحروف.
          فصْلٌ: وقوله: وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ، هو عندنا وعند مالكٍ محمولٌ على الاستحباب، والقديم عندنا وجوبه، وبه قال ابن حَبِيبٍ وغيره: دليلُنا قولُه ◙: ((لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بِطِيب نفسٍ منه))، وقياسًا على ما لو أراد أن يفتح بابًا أو كُوَّةً، قالوا: فإذا أَذِن ثمَّ بدا له فإن كان لحاجةٍ إلى بناء جداره أو لأمرٍ لا بدَّ له منه فله ذلك، ولو لم يكن لشيءٍ مِن ذلك فليس له ذلك بخِلاف حال الابتداء لأنَّه لم يأذَن له في حال الابتداء فيتعلَّق عليه حقٌّ بخلاف أن يأذَنَ فيضمَن إذنَهُ بنفسهِ على الوجه المأذون فيه إلى مثلِهِ في العادة، وليس له الرجوع على مقتضى إذنه.