التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب شوب اللبن بالماء

          ░14▒ (بَابُ شَوْبِ اللَّبَنِ بالمَاءِ).
          5612- ذكر فيه حديثَ أنسٍ ☺ أنَّه ◙ (شَرِبَ لَبَنًا...) الحديث.
          وقد سلف [خ¦2352]، وشيخُه فيه (عَبْدَانُ) وهو عبد الله بن عُثْمَانَ، وقد سلف قريبًا.
          5613- وحديثَ جابرِ بن عبد الله أنَّه ◙ (دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ...)، وفيه: (فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ).
          وفي إسناده (أَبُو عَامِرٍ) وهو العَقَدِيُّ عبدُ الله بن عَمْرٍو.
          ومعنى (وَإِلَّا كَرَعْنَا) يُقال: كَرَعَ في الماء يكرَعُ كَرْعًا وكُرُوعًا إذا تناولَهُ بفيهِ مِن غير أن يشربَ بكفِّه ولا بإناءٍ كما تشربُ البهائم لأنَّها تدخل فيه بأكارِعِها، يُقال: اكْرَعْ في هذا الإناء نَفَسًا أو نَفَسَين، وترجم لحديث جابرٍ: باب الكَرْعِ في الحوض [خ¦5621]، وفيه: فقال: يَا رَسُول اللهِ، بَأَبِيْ وَأُمِّيْ، وِهِيَ سَاعَةٌ حَارَّةٌ.
          وشُربُ اللبن بالماء هو أصلٌ في نفسِه وليس مِن باب الخليطين في شيءٍ، والحكمةُ _كما قال المُهَلَّب_ في شرب الماء الباردِ ما فعلَه الشارع مِن الجَرْعِ لاستلذاذِ بُرُودته، وكان ذلك في يوم حرٍّ، أَلَا ترى قولَه في باب الكَرْع: وِهِيَ سَاعَةٌ حَارَّةٌ. ولذلك صبَّ له اللَّبن على الماء ليقوِّي بَرْدَه لاجتماع بَرْد اللبن مع بَرْد الماء البائِتِ.
          وفيه أنَّه لا بأس بطلبِ البارد في سَمُوم الحرِّ وقصدِ الرجل الفاضل بنفسه فيه حيث يعرف مواضعَه عند إخوانه، وقد روى أبو هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ صلعم: ((إنَّ أول ما يُحاسَبُ به العبد يومَ القيامة أن يُقال له: ألم أُصِحَّ جِسمَكَ وأَرْوِكَ مِن الماءِ الباردِ)).
          وقوله: (وَإِلَّا كَرَعْنَا) يريد: إن لم يكن عندك ماءٌ باردٌ ولا عَذْبٌ كان الأَوْلَى في شُربِه الكَرْع لئلَّا يُعذِّب نفسَه بكراهته في كثرة الجُرعات، والكَرْعُ شُرْبُ الرَّجُل بفيهِ كما سلف، وكَرَعَ أيضًا في الإناء إذا مالَ نحوَه بعنقِهِ فشربَ منه، قال الجَوْهَرِيُّ: وفيه لغةٌ أخرى: كَرِعَ بالكسر، يَكرِعُ كَرْعًا، وذكر أبو عبد الملك قولًا شاذًّا في معنى كَرَع: شَرِبَ بيدهِ، وأهل اللُّغة على خِلافهِ.
          فَرْعٌ: خلْطُ اللبن بالماء إنَّما يجوز عند الشُّربِ لطلب اللَّذَّة والحاجة إلى ذلك، وأمَّا عند البيع فإنَّهُ لا يجوز لأنَّه غشٌّ، ذكرَه ابن بطَّالٍ وهو ظاهرٌ.
          فصْلٌ: معنى (فَشُبْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم مِنَ البِئْرِ): أي خَلَطَ.
          وقوله: (وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ) هو خالدُ بن الوليدِ كما سلف، وفيه البُداءة باليمين، قيل: وفيه هبةُ المجهول لأنَّه ◙ وَهَبَ لكلٍّ واحدٍ مِن جلسائه قَدْرَ رَيِّه ولا يُعلم مبلغُهُ، وهو مشهور مذهب مالكٍ خِلافًا للشَّافعِيِّ.
          وفيه جواز هِبَةِ المتاع خِلافًا لأبي حنيفة، وفيه هِبَةُ الواحد للجماعِةِ، قيل: وفيه أنَّ مَن قُدِّم إليه بطعامٍ لا يلزمه أن يسألَ مِن أين صارَ إليه ولعلَّه عَلِم طِيْب كَسْبِه، وفيه مواساةُ الجُلساءِ مِن الهديَّة وإشراكُهم فيها، وقد سلف مرفوعًا: ((جُلساؤُكم شركاؤُكم في الهديَّةِ)) ولا يصحُّ، وإن صحَّ فعلى النَّدْبِ إلى التحابِّ وبرِّ الجلساء، وفيه مجالسة أهل البدوِ لأنَّ العربَ جيلٌ مِن النَّاس يُنسَبُ إليهم عربيٌّ، وهم سكَّانُ الأمصارِ وأهلُها، والأعرابُ منهم سُكَّان البادية، والنِّسبة إلى الأعراب أعرابيٌّ لأنَّه لا واحدَ له، وليس الأعرابُ جمعًا لعربيٍّ كالأنباط جمع للنَّبَط وإنَّما العرب اسم جنسٍ.
          والشَّنَّةُ بفتح الشين القِرْبَة الخَلِقَةُ، والشَّنُّ أيضًا وكأنَّها صغيرةٌ، وقال الدَّاوُدِيُّ: هي التي زالَ شَعَرها مِنَ القِدَمِ.
          وقوله: (فَانْطَلِقَ إِلَى العَرِيشِ) هي خيمةٌ مِن خَشَبٍ وَثُمامٍ، وهو نبتٌ ضعيفٌ له خُوصٌ، وقال الدَّاوُدِيُّ: العَرِيشُ شيءٌ يُجعل مِن الجَرِيد كالقُبَّة، والجمعُ عُرُشٌ مثل قَلِيبٍ وقُلُب، ومنه قيل لبيوت مكَّةَ: العُرُش لأنَّها عِيدانٌ تُنصَب ويُظلَّل عليها.
          وقوله: (فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ) أي صبَّ فيه.