التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة على النفساء وسنتها

          ░29▒ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
          332- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ: (أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلعم، فَقَامَ وَسَطَهَا).
          هذا حديثٌ أخرجَه مع البخاريِّ مسلمٌ والأربعةُ، وعند مسلمٍ قال سَمُرَةُ: ((صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبيِّ صلعم عَلَى أمِّ كَعْبٍ مَاتَتْ وَهِيَ نُفَسَاءُ))، وهذه الرِّوايةُ فيها بيانُ المبهمِ في روايةِ الكتابِ، وهي أنصاريَّةٌ كما قال ابنُ الأثيرِ.
          و(ابنِ بُرَيْدَةَ) هو عبدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ بنِ الحَصِيْبِ أخو سُلَيْمَانَ.
          وقوله: (وَسَطَهَا) هو بالسِّين السَّاكنة، وحكى بعضُهم فتحَها، وقد سلفَ الكلامُ على هذه المادَّةِ، وقَصْدُ البخاريِّ بهذا البابِ يحتملُ _كما قالَ ابنُ بَطَّالٍ وابنُ التِّينِ_ أنَّ النُّفَسَاءَ وإن كانَتْ لا تُصَلِّي فهي طاهرٌ لها حكمُ غيرِها مِنَ النِّسَاءِ ممَّنْ ليسَتْ نفساء؛ لأنَّه ◙ لمَّا صلَّى عليها أوجبَ لها حكمَ الصَّلاةِ، وليس كون الدَّمِ موجودًا بها أن تكون نجسةً، وامتناعُها مِنَ الصَّلاةِ ما دامَ بها الدَّمُ عبادةٌ، وهذا يَرُدُّ على مَنْ زعمَ أنَّ الآدميَّ ينجسُ بموتِه؛ لأنَّ هذه النُّفساءَ جَمَعَتِ الموتَ وحَمْلَ النَّجاسةِ بالدَّم اللَّازم لها، فلمَّا صلَّى عليها وأَبَانَ سُنَّتَه فيها كان المَيِّتُ الطَّاهرُ الذي لا يسيلُ منه نجاسةٌ أَوْلَى بإيقاع اسمِ الطَّهارة عليه.
          وصوَّب ابنُ القَصَّارِ القولَ بطهارة ميِّتة الآدميِّ، ونَقَلَه عن بعض أصحابهم، والصَّلاةُ عليه بعد موته تكرمةٌ له وتعظيمٌ.
          وقال ابنُ المُنَيِّرِ: ظنَّ الشَّارحُ _يعني ابنَ بَطَّالٍ_ وذكرَ ما أسلفناه عنه، قال: وذلك أجنبيٌّ عن مقصودِه، وإنَّما قَصْدُه أنَّها وإن وردَ أنَّها مِنَ الشُّهداءِ فهي ممَّن يُصَلَّى عليها، ثمَّ قال: أو أرادَ التَّنبيهَ على أنَّها ليست بنجسةِ العين لا لأنَّه صلَّى عليها وأنَّ هذا مِنْ خصائصِه، بل لأنَّ الصَّلاة على الميِّت في الجملة تزكيةٌ له، ولو كان جسدُ المؤمنِ نجسًا لكانَ حكمُه أن يُطَّرَحَ اطِّراحَ الجيفة، ويُبعَدَ ولا يُوَقَّرَ بالغسلِ والصَّلاةِ وغيرِها، وهذا هو عينُ ما أسلفناه عن ابنِ بَطَّالٍ، والَّذي ذكره أوَّلًا لا مدخل له في كتابِ الطَّهارةِ.
          وتأوَّل بعضُهم _كما قال القُرْطُبِيُّ_ صلاتَه وسطها مِنْ أجلِ جنينِها حتَّى يكونَ أمامَه وسيأتي بسطُ الكلامِ فيه في الجنائزِ إن شاء الله فإنَّه أليقُ [خ¦1331].