التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عرق الاستحاضة

          ░26▒ بَابُ عِرْقِ الِاسْتِحَاضَةِ
          327- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا مَعْنٌ عَنِ ابنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: (أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ اسْتُحِيْضَتْ سَبْعَ سِنِيْنَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلعم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ: هَذَا عِرْقٌ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ).
          هذا حديثٌ أخرجَهُ مع البخاريِّ مسلمٌ والأربعةُ.
          والكلام عليه مِنْ وجوهٍ:
          أحدها: أمُّ حَبِيْبَةَ هذه إحدى المستحاضاتِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلعم ويُقَالُ لها: أمُّ حَبِيْبٍ بلا هاءٍ، وصحَّحَه الحَرْبِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ، وصحَّحَ إثباتها الغَسَّانِيُّ، ونقله الحُمَيْدِيُّ عن سُفْيَانَ وابنِ الأثيرِ عن الأكثرِ قال أبو عُمَرَ: والصَّحيح أنَّها وأختها زَيْنَبَ مستحاضاتٌ، ووهَّاهُ ابنُ العَرَبِيِّ.
          وحكى القاضي عن بعضهم أنَّ بناتَ جَحْشٍ الثَّلاث كلٌّ منهنَّ اسمها زَيْنَبُ، ولَقَبُ إحداهنَّ حَمْنَةُ وكنيةُ الأخرى أمُّ حَبِيْبَةَ، وإذا كان هكذا فقد سَلِمَ مالكٌ مِنَ الخطأ في تسمية أمِّ حَبِيْبَةَ زَيْنَبَ، وأمُّ حَبِيْبَةَ هذه حضرت أُحُدًا تسقي العطشى وتُداوي الجرحى.
          ثانيها: غسلُها لكلِّ صلاةٍ لم يكنْ بأمرِهِ ◙، كما قاله الزُّهْرِيُّ وغيرُه وإنَّما هو شيءٌ فعلته، والواجب عليها الغُسْلُ مَرَّةً واحدةً عند انقطاع حيضها، فقولها إذن: فكانت تغتسلُ لكلِّ صلاةٍ ليس مرفوعًا، وروى ابنُ إِسْحَاقَ عن الزُّهْرِيِّ: فأمرَها أن تغتسل لكلِّ صلاةٍ، ولم يتابعه عليه أصحاب الزُّهْرِيِّ، نعم في أبي داودَ والبَيْهَقِيِّ مِنْ طُرُقٍ أنَّه أمرَها بذلك؛ لكنَّها ضعيفةٌ.
          وقال المُهَلَّبُ: قوله: (هَذَا عِرْقٌ) يدلُّ على أنَّ المستحاضة لا تغتسل لكلِّ صلاةٍ كما زعم مَنْ أوجب ذلك، واحتجَّ بهذا الحديث؛ لأنَّ دمَ العرقِ لا يُوجِبُ غسلًا.
          وقوله: (فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ) يُريد تغتسلُ مِنَ الدَّمِ الَّذي كان يصيبُ الفَرْجَ؛ لأنَّ المشهورَ مِنْ قولِ عائشةَ أنَّها لا ترى الغسل لكلِّ صلاةٍ لها، قال اللَّيثُ: لم يذكرِ ابنُ شَهِابٍ أنَّه ◙ أَمَرَ أمَّ حَبِيْبَةَ به لكلِّ صلاةٍ، وقال غيرُه: ومَنْ ذَكَرَ أنَّه أمرَها فليس بحُجَّةٍ على مَنْ سَكَتَ عنه؛ لأنَّ الحفَّاظَ مِنْ أصحابِ الزُّهْرِيِّ لا يذكرونه، والإيجابُ لا يثبتُ إلَّا بسُنَّةٍ أو إجماعٍ وليس ذلك هنا، وإنَّما الإجماعُ في إيجابه مِنَ الحيضِ.
          قال الطَّحَاوِيُّ: وقد قيل: إنَّه منسوخٌ بحديثِ فاطمةَ؛ لأنَّ عائشةَ أفتَتْ بحديثِ فاطمةَ بعده ◙ وخالفت حديثَ أمِّ حَبِيْبَةَ، ويؤيِّدُه أنَّ عبدَ الحَقِّ قالَ: حديثُ فاطمةَ أصحُّ حديثٍ يُروَى في الاستحاضةِ.
          ثالثُها: قوله: (أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ اسْتُحِيْضَتْ سَبْعَ سِنِيْنَ) فيه حُجَّةٌ لابنِ القَاسِمِ في قولِهِ: إنَّ مَنِ استُحِيضَت فتركَتِ الصَّلاةَ جاهلةً و ظنَّته حيضًا أنَّه لا إعادةَ عليها، وذلك أنَّه ◙ لم يأمرها بإعادة صلواتِ السَّبعةِ الأعوامِ، ووجه ذلك أنَّها لمَّا سألته فأمرها بالغُسْلِ علمَ أنَّها لم تغتسلْ قبل ولو اغتسلت لقالت: إنِّي قد اغتسلْتُ، فعلمَ أنَّ في تلك المدَّة كانت عند نفسها حائضًا، فأمرها بالغسلِ مِنْ ذلك الحيضِ ولم يأمرها بإعادة صلوات تلك المدَّة.