التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من سمى النفاس حيضًا

          ░4▒ بَابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا
          298- حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: (بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم، مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيصَةٍ، إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فقَالَ: أَنُفِسْتِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ).
          الكلامُ عليهِ مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: وجهُ مطابقةِ الحديثِ ما ترجمَ له، فإنَّ فيه تسميةُ الحيضِ نفاسًا لا عكسه، لَمَّا قالَ لها ◙: (أَنُفِسْتِ؟) أَجَابَتْ بـ (نَعَمْ)، وكَانَتْ حائضًا، فقد جَعَلَتِ النِّفَاسَ حيضًا، وفي ابنِ مَاجَهْ: فقَالَ: ((أَنُفِسْت؟)) قُلْتُ: وَجَدْتُ ما تَجِدُ النِّسَاءُ مِنَ الحَيْضَةِ...، الحديثَ.
          أو أنَّه نبَّه على إلحاقِ النِّفَاسِ بالحيضِ في منافاةِ الصَّلَاةِ ونحوِها؛ لأنَّه لم يجدْ حديثًا على / شرطِه في حكمِ النِّفَاسِ، فاستنبطَ مِنَ الحديثِ أنَّ حكمَهما واحدٌ، وإنْ كَانَ في البابِ حديثُ أمِّ سَلَمَةَ: ((كَانَت النُّفُسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم أَرْبَعِيْنَ يَوْمًا))، وَثَّقَ البُخَارِيُّ بعضَ رجالِه كما نَقَلَه التِّرْمِذِيُّ، وقالَ الحاكمُ: صحيحُ الإسنادِ.
          وظَنَّ المُهَلَّبُ ومَنْ تَبِعَهُ أنَّه يلزمُ مِنْ تسميةِ الحيضِ نفاسًا تسميةُ النِّفَاسِ حيضًا، وليسَ كذلكَ؛ لجوازِ أنْ يكونَ بينهما عمومٌ كالإنسانِ والحيوانِ، وإنَّما أَخَذَه البُخَارِيُّ مِنْ غيرِ هذا، وهو أنَّ الموجبَ لتسميةِ الحيضِ نِفَاسًا أنَّه دَمٌ، والنَّفْسُ الدَّمُ، فلمَّا اشتركا في المعنى الَّذي لأجلِه سُمِّي النِّفَاسُ نِفَاسًا، وَجَبَ جَوَازُ تسميةِ الحيضِ نِفَاسًا، وفُهِمَ أنَّه دَمٌ واحدٌ، وهو الحقُّ، فإنَّ الحملَ يمنعُ خُرُوجَ الدَّمِ المعتادِ، فإذا وَضَعَتْ خَرَجَ دفعةً، وهذا ينبني على أنَّ تسميةَ النِّفَاسِ لم يَكُنْ لخُرُوجِ النَّفْسِ الَّتي هي النَّسَمَةُ، وإنَّما هو لخُرُوجِ الدَّمِ.
          ثانيها: هذا الحديثُ أخرجَه البُخَارِيُّ أيضًا في النَّومِ مَعَ الحائضِ وهي في ثيابِها، وممَّنْ أَخَذَ ثيابَ الحيضِ سِوَى ثيابِ الطُّهْرِ، كما سيمرُّ بك قريبًا [خ¦323] وأخرجَه في الصَّوم أيضًا [خ¦1929]، وأخرجَه مُسْلِمٌ في الطَّهَارَةِ.
          ثالثها: (الخَمِيْصَةِ) _بفتحِ الخاءِ المعجمةِ_ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ له عَلَمَانِ، وقيلَ: مِنْ خزٍّ ثخينٍ أسودَ وأحمرَ له أعلامٌ ثِخَانٌ، قالَه ابنُ سِيدَه. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: كِساءٌ أسودُ مُرَبَّعٌ، وإنْ لم يَكُنْ مُعْلَمًا فليسَ بخميصةٍ.
          رابعها: (الخَمِيْلَةِ) _بالخاءِ المعجمةِ_ ثوبٌ له خَمْلٌ مِنْ أيِّ لونٍ كَانَ، وقيلَ: الخَمِيلُ: الأسودُ مِنْ كلِّ الثِّيَابِ، ثمَّ قيلَ: هي كالقطيفةِ، وقيلَ: هيَ هيَ، وبه جَزَمَ ابنُ سِيدَه.
          والخَمْلُ: هُدْبُ القَطِيفَةِ ونحوِها ممَّا يُنسَجُ وتَفضُلُ له فُضُولٌ، وفي«الصَّحَاحِ»: هي الطِّنْفِسَةُ.
          خامسها: قولُها: (فَانْسَلَلْتُ) أي: ذَهَبْتُ في خفيةٍ خوفًا مِنْ وُصُولِ شيءٍ مِنْ دَمِها إليه، أو قَذِرَتْ نفسَها ولم تَرتَضِها لمًضَاجَعَتِه، أو خَافَتْ نُزُولَ الوحي فانسَلَّتْ؛ لئلَّا تَشغَلَه حركتُها عمَّا هُوَ مِنَ الوحي أو غيرِه.
          سادسها: قولُها: (فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيْضَتِي) _هو بكسرِ الحاءِ_ أي: الَّتي أحيضُ فيها.
          وقولُه: (أَنَفِسْتِ؟) أي: حِضْتِ، وهو بفتحِ النُّونِ على الأفصحِ كما سَلَفَ أوَّلَ الحيضِ [خ¦294].
          سابعها: فيه جَوَازُ النَّومِ مع الحَائِضِ والاضطجاعِ معها، وهو إجماعٌ.