عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام
  
              

          ░53▒ (ص) بابُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ.
          (ش) أي: هذا / بابٌ في بيان إثم مَن رفع رأسه في الصلاة قبل رفع الإمام رأسه، قال بعضُهم: أي: مِنَ السُّجود.
          قُلْت: ومِن الركوع أيضًا، فلا وجه لتخصيص السُّجود؛ لأنَّ الحديث أيضًا يشمل الاثنين بحسب الظاهر، كما يجيء.
          فَإِنْ قُلْتَ: لهذا القائل أن يقول: إِنَّما قُلْتُ: أي: من السجود؛ لأنَّ في رواية أبي داود عن حفص بن عُمَر، عن شعبة، عن مُحَمَّد بن زيادٍ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم : «أَما يخشى _أو ألَا يخشى_ أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد...»؛ الحديث، فتبيَّن أنَّ المراد الرفعُ من السجود.
          قُلْت: رواية البُخَاريِّ تتناول المنع مِن تَقَدُّمِ المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معًا، ولا يجوز أن تخصَّص رواية البُخَاريِّ برواية أبي داود؛ لأنَّ الحكم فيهما سواء، ولو كان الحكم مقصورًا على الرفع مِن السجود؛ لكان لدعوى التَّخصيص وجهٌ، ومع هذا فالقائل المذكور ذكر الحديث عن البزَّار مِن رواية مليح بن عبد الله السَّعدِيِّ عن أبي هُرَيْرَة مرفوعًا: «الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إِنَّما ناصيته بيد شيطان»، وهذا ينقض عليه ما قاله، ويردُّه عليه، وأعجبُ مِن هذا أنَّهُ ردَّ على ابن دقيق العيد؛ حيث قال: إنَّ الحديث نصٌّ في المنع مِن تَقَدُّمِ المأموم على الإمام في الرفع مِنَ الركوع والسجود معًا، فهذا دقيقُ الكلام الذي قاله ابن الدقيق، ومستندُه في الردِّ عليه هو قوله: (وإِنَّما هو نصٌّ في السجود)، ويلتحق به الركوع؛ لأنَّه في معناه، وهذا كلامٌ ساقط جدًّا؛ لأنَّ الكلام ههنا في رواية البُخَاريِّ، وليس فيها نصٌّ في السجود، بل هو نصٌّ عامٌّ في السجود والركوع، ودعوى التخصيص لا تصحُّ كما ذكرنا.
          نعم؛ لو ذكر النكتة في رواية أبي داود في تخصيص السجدة بالذكر؛ لكان له وجه: وهي أنَّ رواية أبي داود من باب الاكتفاء، فاكتفى بذكر حكم السجدة عن ذكر حكم الركوع؛ لكون العلَّة واحدةً؛ وهي السبق على الإمام؛ كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل:81]؛ أي: والبرد أيضًا، وإِنَّما لم يعكس الأمر؛ لأنَّ السجدة أعظمُ مِن الركوع في إظهار التَّواضع والتذلُّل، والعبد أقرب ما يكون إلى الربِّ وهو ساجد.