عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب بدء الأذان
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ بَدْءَ الأَذانِ.
          (ش) أي: هذا باب في بيان ابتداء الأذان، وليس في رواية أبي ذر لفظ: <باب>.
          (ص) وقولِ الله: {وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}[المائدة:58]، وقَولِهِ: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ}[الجمعة:9].
          (ش) (وَقَولِ اللهِ) : مجرورٌ؛ لأنَّه عطف على لفظ (بدء)، و(قَوْلِهِ) الثاني عطف عليه.
          وإِنَّما ذكر هاتين الآيتين؛ إمَّا للتبرُّك، أو لإرادة ما بوَّب له؛ وهو بدء الأذان، وأنَّ ذلك كان بالمدينة، والآيتان المذكورتان مدنيَّتان، وعن ابن عَبَّاس: أنَّ فرض الأذان نزل مع الصلاة: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ}[الجمعة:9]، رواه أبو الشيخ.
          أَمَّا الآية الأولى؛ ففي سورة المائدة، وإيراد البُخاريِّ هذه الآية ههنا إشارة إلى أنَّ بَدء الأذان بالآية المذكورة، كما ذكرنا، وعن هذا قال الزَّمَخْشَريُّ في «تفسيره»: قيل: فيه دليل على ثبوت الأذان بنصِّ الكتاب، لا بالمنام وحده.
          قوله: ({وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}[المائدة:58]) يعني: إذا أذَّن المؤذِّن للصلاة، وإِنَّما أضاف النداء إلى جميع المسلمين؛ لأنَّ المؤذِّن يؤذِّن لهم ويناديهم، فأضاف إليهم، فقال: {وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُوًا وَلَعِبًا}[المائدة:58]؛ يعني: الكفَّار إذا سمعوا الأذان؛ استهزؤوا بهم، وإذا رأوهم ركوعًا وسجودًا؛ ضحكوا عليهم واستهزؤوا بذلك.
          قوله: ({ذَلِكَ}) يعني: الاستهزاء ({بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ}) [المائدة:58] يعني: لا يعلمون ثوابهم، وقال أسباط عن السُّدِّيَّ قال: (كان رجل مِنَ النصارى بالمدينة / إذا سمع المناديَ ينادي: أشهد أنَّ مُحَمَّدًا رسول الله؛ قال: حُرِق الكاذب، فدخلت خادمُه ليلةً مِنَ الليالي بنار وهو نائم وأهلُه نيام، فسقطت شرارةٌ، فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله)، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
          وأَمَّا الآية الثانية؛ ففي (سورة الجمعة)، فقوله: ({إِذا نُودِي لِلصَّلاةِ}[الجمعة:9]) : أراد بهذا النداء الأذانَ عند قعود الإمام على المنبر للخطبة، ذكره النَّسَفِيُّ في «تفسيره»، واختلفوا في هذا؛ فمنهم من قال: إنَّ الأذان كان وحيًا لا منامًا، وقيل: إنَّهُ أُخِذ من أذان إبراهيم ◙ [في الحجِّ: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلَى كُلِّ ضامِرٍ}[الحج:27]، قال: فأذَّن رسول الله صلعم ]، وقيل: نزل به جبريل على النَّبِيِّ صلعم ، والأكثرون: على أنَّهُ كان برؤيا عبد الله بن زيد وغيره، على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
          واعلم أنَّ النداء عُدِّي في الآية الأولى بكلمة {إلى}، وفي الثانية باللام؛ لأنَّ صِلاتِ الأفعال تختلف بحسَب مقاصد الكلام، فالمقصود في الأولى معنى الانتهاء، وفي الثانية معنى الاختصاص، ويحتمل أن يكون {إلى} بمعنى اللام، وبالعكس؛ لأنَّ الحروف ينوب بعضُها عن بعض.