عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب وجوب صلاة الجماعة
  
              

          ░29▒ (ص) بابُ وُجُوبِ صَلاةِ الجَماعَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان وجوب الصلاة بالجماعة، وقال بعضهم: هكذا بتَّ الحكم في هذه المسألة، وكأنَّ ذلك لقوَّة دليلِها عنده، لكن أطلق الوجوبَ وهو أعمُّ من كونه وجوبَ عينٍ أو كفاية، إلَّا أنَّ الأثر الذي ذكره عن الحسن يُشعِر بأنَّه يريد وجوبَ عينٍ.
          قُلْت: لا تُقال هذه القسمة إلَّا في الفَرض، فيقال: فرْض عين وفرْض كفاية، اللهمَّ إلَّا أن يكون عند مَن لم يفرِّق بين الواجب والفرض، ومن أين علِمَ أن البُخاريَّ أراد وجوب العين؟ ومن أين يدلُّ عليه أثرُ الحسن؟ وكيف يجوزُ الاستدلال على وجوب العين بالأثر المرويِّ مِنَ التَّابِعِيِّ؟ وهذا محلُّ النظر.
          (ص) وَقالَ الحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشاءِ فِي الجَماعَةِ شَفَقَةً؛ لَمْ يُطِعْها.
          [(ش) (الحَسَنُ) هو البِصْريُّ؛ يعني: إن منعتِ الرجلَ أمُّه عنِ الحضور إلى صلاة العِشاء مع الجماعة؛ شفقةً عليه _أي: لأجل الشفقة_ لم يُطِع أمَّه فيه، فهذا يدلُّ على أنَّ الصلاة بالجماعة فرضٌ عنده؛ ولهذا قال: لم يُطِع أمَّه]، مع أنَّ إطاعة الوالدين فرضٌ في غير المعصية، وإِنَّما عيَّن العِشاء _مع أنَّ الحكم في كلِّ الصلوات سواءٌ_؛ لكونِها من أثقل الصلوات على المنافقين.
          فَإِنْ قُلْتَ: الفجر كذلك؟ قُلْت: ذِكْرُ أحدهما يُغني عن الآخر، وإِنَّما عيَّن الأمَّ مع أنَّ الأب كذلك في وُجوب طاعتهما؛ لأنَّ الأمَّ أكثرُ شفقةً من الأب على الأولاد.
          ولم يذكر صاحب «التلويح» ولا صاحب «التوضيح» وَصْلَ هذا الأثر مع كثرة تتبع صاحب «التلويح» لمثل هذا، واتِّساع اطِّلاعه في هذا الباب، وذكر بعضُهم: أنَّهُ وجد معناه _بل أتمَّ منه وأصرحَ_ في كتاب «الصيام» للحسين بن الحسن المرْوَزِيِّ بإسنادٍ صحيح عن الحسن في رجل يصومُ _يعني: تطوُّعًا_ فتأمره أمُّه أن يفطر، قال: فليفطر، ولا قضاءَ عليه، وله أجرُ الصوم وأجر البِرِّ، قيل: فتَنْهاه أن يُصلِّيَ العشاء بجماعة؟ قال: ليس ذاك لها، هذه فريضة.