الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب [لا أثر للرجوع في الهبة]

          ░31▒ (باب) كذا لجميع الرُّواةِ من غيرِ ترجمةٍ، وهو كالفصلِ من البابِ قبلَه، ومناسبةُ حديثِهِ لترجمةِ البابِ السابقِ أنَّ الصَّحابةَ بعد ثبوتِ عطيَّةِ النبيِّ صلعم لصُهيبٍ البيتَينِ والحُجرةَ لم يستفصِلوا، هل رجَعَ أم لا؟ فدَلَّ على أنَّه لا أثرَ للرُّجوعِ في الهبة.
          قاله في ((الفتح)): فتأمَّلْه، واعترَضَه العينيُّ، فقال: لا وجهَ له أصلاً؛ لأنَّ الموهوبَ له إذا مات لا رجوعَ فيه أصلاً عند جميع العلماء، أما عند الحنفيَّةِ؛ فلأنَّ الرُّجوعَ امتنعَ بالموت، وأمَّا عند غيرِهم؛ فلا رُجوعَ من الأولِ أصلاً إلا في موضعٍ مخصُوصٍ، واستِفصالُ الصَّحابةِ وعدمُ استفصَالِهم في الرُّجوعِ وعدَمِه بعد موتِ الواهب لا دخَلَ له هنا، فلا فائدةَ في قولِه: فدَلَّ على أنَّه لا أثرَ للرُّجوع في الهبةِ؛ لأنَّ الرُّجوعَ لم يبقَ أصلاً... إلخ.
          ونقلَ أنَّ ابنَ بطَّالٍ وجَّهه بأنَّ النبيَّ صلعم وَهبَ صُهيباً ذلك، وأنَّ ابن التِّين قال: أتى البخاريُّ بهذه القصَّةِ هنا؛ لأنَّ العطايا نافذةٌ، انتهى.
          وانتصرَ لهما، فقال: ما ذكَراه له وجهٌ، انتهى، فتدبَّر.
          ثم قال: أقول: لذكرِ هذا الحديثِ هنا وجهٌ حسَنٌ؛ وهو أنه أشارَ به إلى أنَّ حُكمَ الهِبةِ عند وقوع الدَّعوى بين المتَوَاهبينَ، أو بينَ ورثَتِهم كحُكمِ سائرِ الدعاوي في أبواب الفقه فيما يحتاجُ إليه من الحاكمِ وإقامةِ الشهودِ واليمينِ وغيرِ ذلك، فافهم، انتهى.
          وردَّه في ((الانتقاض)) فقال: يلزَمُ منه الاكتفاءُ بشهادةِ الواحد، ثم إنَّ العينيَّ اعترضَ على قولِ ابنِ بطَّالٍ فيما يأتي أنَّ مَروانَ حكمَ بشهادةِ ابنِ عمرَ مع يمينِ الطالبِ بأنَّه ليسَ في الحديثِ ذكرٌ لليمين، ومنعَ بأنَّه لا بدَّ من شاهدٍ آخرَ أو يمينٍ، ولم يُنقلْ أنه كان معه شاهدٌ آخرُ، فتعيَّنَ وجودُ اليمينِ على زَعمِه، وهو مخالفٌ لمذهَبِه، انتهى، فتدبَّرْه، ففيه ما فيه.
          وقال ابنُ الملقِّن والكرمانيُّ: قال ابنُ بطَّالٍ: فإن قيل: كيف قضَى مروانُ بشهادةِ ابنِ عمرَ؟ قلنا: إنَّما حكمَ بشهادتِه مع يمينِ الطَّالبِ على ما صحَّتْ به السُّنةُ من القضاءِ بشاهدٍ ويمينٍ، وإن لم يذكُرْ ذلك في هذا الحديثِ، انتهى.