الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من لم يقبل الهدية لعلة

          ░17▒ (باب مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ لِعِلَّةٍ) أي: لأجلِ علَّةٍ تنشَأُ عنها رِيبةٌ؛ كإهداءِ المستقرِض إلى المقرِضِ، أو إهداءِ شخصٍ لرجلٍ ليقضيَ حاجتَه بشفاعةٍ أو غيرِها.
          (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ☺: كَانَتِ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم هَدِيَّةً) خبرُ كانَ (وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ) بنصبِ ((اليومَ)) على الظَّرفية، لا بجرِّه عطفاً على ((زمنِ)) والرِّشوةُ _بالرفع أو النصب_، فافهَمْ.
          قال في ((القاموس)): الرِّشوةُ _مثلَّثةً_: الجعلُ، رُشاً ورِشاً، ورَشاه: أعطاه إيَّاها، وارتشى: أخذَها، واستَرشَى: طلبَها، انتهى.
          وقال الكرمانيُّ: بضمِّ الراءِ وكسرِها لغتانِ فصيحتان، ويقالُ بالفتحِ أيضاً، انتهى.
          وقال ابنُ العربيِّ: الرِّشوةُ كلُّ مالٍ دُفعَ ليَبتاعَ به من ذي جاهٍ عَوناً على ما لا يحلُّ، والمرتشي قابضُه، والراشي مُعطيه، والرائشُ: الواسطةُ.
          أخرج الترمذيُّ وصحَّحَه عن ابنِ عمرٍو: ((لعنَ اللهُ الرَّاشيَ والمرتشيَ)) وفي روايةٍ: ((والرَّائشَ)) انتهى.
          وأقول: كلامُ ((القاموس)) في تعريفِ الرِّشوةِ عامٌّ، والأولى قولُ غيرِه، ومنه: هي ما تؤخذُ بغيرِ عوَضٍ ويُذمُّ آخذُه، وهذا التعليقُ وصَلَه ابنُ سعدٍ بقصَّةٍ، فروى من طريقِ فُراتِ بن مسلمٍ قال: اشتهى عمرُ بنُ عبدِ العزيز التُّفَّاحَ، فلم يجِدْ في بيتِه شيئاً يشتري به، فرَكِبْنا معه، فتلقَّاه غلمانُ الدَّيرِ بأطباقِ تُفَّاحٍ، فتناوَلَ واحدةً، فشمَّها، ثم ردَّ الأطباقَ، فقلتُ له في ذلك، فقال: لا حاجةَ لي فيه، فقلتُ: ألم يكُنْ رسولُ الله صلعم وأبو بكرٍ وعمرُ يقبلون الهديةَ؟ فقال: إنها لأولئكَ هديَّةٌ، وهي للعُمَّالِ بعدَهم رِشوةٌ.
          وفي مطابقةِ هذا الأثرِ للترجمة خَفاءٌ، فتدبَّرْ. وفي معنى ما ذكَرَ عمرُ ما أخرجَه أحمد والطبرانيُّ من حديثِ أبي حُميدٍ مَرفوعاً بلفظ: ((هدايا العُمَّالِ غُلولٍ)) لكنْ في إسنادِه ضعيفٌ.