الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا اشتد الحر يوم الجمعة

          ░17▒ (بَابٌ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أي: أبردَ المصلي بصلاتها كالظهرِ.
          وقدَّرَ شيخُ الإسلام جوابَ ((إذا)): أي: هل يبردُ بصلاتِها كصلاة الظهرِ أم لا؟.
          ولم يجزمْ المصنف بالحكم وهو الإبرادُ بالجمعة؛ لأنَّ قولَه الآتي: ((يعني الجمعةَ)) يحتملُ أنْ يكونَ مِنْ كلام التابعيِّ أو مَنْ دونه، وهو ظنٌّ ممنْ قاله، أخذه مِن تسوية أنسٍ بين الظهرِ والجمعة، لا بالنصِّ بل بالقياسِ؛ حيث استدلَّ لمَّا سُئل عن الجمعة بقولِه: ((كان النبيُّ صلعم يصلي الظهرَ)) وترجَّحَ عند المصنف إلحاقُها بالظهر؛ لأنها إمَّا ظهرٌ أو بدلٌ عنها، قاله ابنُ المنير.
          وقال العيني: والحاصلُ أنَّ النقلَ عن أنسٍ مختلفٌ، فروايةُ حميدٍ عنه تدلُّ على التبكير بالجمعة مطلقاً، وروايةُ أبي خلدةَ عنه تدلُّ على التفصيل فيها، وروايتُه الثانيةُ عنه تدلُّ على أنَّ هذا الحكمَ للصلاة مطلقاً، ظهراً أو جمعةً، وروايتُه الثالثةُ التي رواها عنه بشرُ بن ثابتٍ تدلُّ على أنَّ هذا الحكمَ للظهر، ويحصلُ الائتلاف بين هذه الرواياتِ بأنْ نقولَ: الأصلُ في الظهر التبكيرُ عند اشتدادِ البرد، والإبرادُ عند اشتداد الحرِّ؛ كما دلَّت عليه الأحاديثُ الصحيحةُ، والأصلُ في الجمعة التبكيرُ؛ لأنَّ يومَها يومُ اجتماع الناس وازدحامِهم، فإذا أُخِّرتْ يشقُّ عليهم، ولذلك كان صلعم يصليها إذا زالت الشمسُ صيفاً وشتاءً على ميقاتٍ واحدٍ، ثم إنَّ أنساً قاس الجمعةَ على الظهر عند اشتداد الحرِّ لا بالنصِّ؛ لأنَّ أكثرَ الأحاديث تدلُّ على التفرقة في الظهر، وعلى التبكير في الجمعةِ.