الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الجمعة في القرى والمدن

          ░11▒ (بَابُ الجُمُعَةِ فِي القُرَى وَالمُدْنِ) بضمِّ الميم، وسكونِ الدال المهملة، وقد تُضمُّ: جمعُ مدينةٍ، وللأصيلي: <والمدائن>: بفتح الميمِ، وبالهمز بعدَ الدال، جمعُ مدينةٍ أيضاً.
          قال ابن الملقن: ((القُرى)): بضمِّ القاف، جمعُ قريةٍ على غير قياسٍ.
          قال الجوهري: لأنَّ ما كان على فَعلة _بفتح الفاء_ من المعتل جمعُه ممدودٌ، كرَكوةٍ ورِكاءٍ وظَبيةٍ وظِباءٍ، فجاء القرى مخالفاً لبابِه لا يقاس عليه، ويقال: قِرية _أي: بكسر القاف_ لغةٌ يمانيةٌ، ولعلَّها جُمعت على ذلك كلِحيةٍ ولحى، والنسبةُ إليها قروي.
          قال ابن الأثير: القريةُ: من المساكن والأبنية والضياع، وقد تُطلقُ على المدن.
          وقال صاحبُ ((المطالع)): القريةُ: المدينةُ، وكلُّ مدينةٍ قريةٌ لاجتماع الناس فيها، مِن قريتُ الماءَ في الحوض: جمعتُه، والمدنُ: جمعُ مدينةٍ، ويجمع أيضاً على مدائنَ _بالهمز_ ومُدُن _مخففُ الدال وتُثقلُ_ واشتقاقها مِن مَدَنَ بالمكان: أقام به.
          وقال ابن التين: المدُنُ: جمعُ مدينةٍ _تُخففُ الدالُ وتُثقَّلُ إذا قلنا: إنَّ وزنَها فعيلةٌ_ مِن مَدَنَ بالمكان: إذا أقام به، وأمَّا إنْ قلنا مِن دِنتُ؛ أي: ملكتُ، فوزنها مَفْعَلَة، قال: وجمعُها: مداين: بغير همزةٍ.
          قال في ((الفتح)): في هذه الترجمة إشارةٌ إلى خلاف مَن خَصَّ الجمعةَ بالمدن دون القرى، وهو مرويٌّ عن الحنفية، وأسنده ابنُ أبي شيبةَ عن حذيفةَ وعليٍّ وغيرهما.
          وأخرج ابن أبي شيبةَ عن عمرَ أنه كتب إلى أهل البحرين: أنْ جمِّعوا حيث ما كنتم، وهذا يشملُ القرى والمدن، وصححه ابنُ خزيمةَ، وروى البيهقي عن الليث بنِ سعدٍ أنه قال: كلُّ مدينةٍ / أو قريةٍ فيها جماعةٌ أمروا بالجمعة، فإنَّ أهلَ مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعةَ على عهد عمرَ وعثمان بأمرهما، وفيهما رجالٌ من الصحابة.
          وروى عبد الرزاق بسندٍ صحيحٍ عن ابن عمرَ: أنه كان يرى أهلَ المياه بين مكةَ والمدينةِ يجمعون فلا يعيب عليهم، فلما اختلف الصحابةُ وجب الرجوعُ إلى المرفوع. وسيأتي تتمةُ البحث ونقل المذاهب.
          وبالسند قال: