الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان

          ░12▒ (بَابٌ: هَلْ) ولابنِ عساكر: <وهل> (عَلَى مَنْ لَمْ) ولأبوي ذرٍّ والوقت: <على مَن لا>.
          (يَشْهَدِ الجُمُعَةَ غُسْلٌ) وقولُه: (مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ؟) بيانٌ لـ((مَنْ)) وأراد بغيرهم: مَن لا تجب عليه كالعبدِ والمسافر والمحبوس والمريض، ولم يجزمْ بالحكم للإطلاقِ والتقييد في أحاديث الباب.
          فالإطلاقُ في حديث أبي هريرةَ: ((حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أنْ يغتسلَ)) فإنه شاملٌ للجميع.
          والتقييدُ في حديث ابن عمرَ بـ((مَنْ جاء منكم)) يخرجُ مَن لم يجىءْ، والتقييدُ في حديث أبي سعيدٍ الخدري: ((يخرج الصبيان)) والتقييدُ في النهي عن منعِ النساء المساجدَ بالليل، يخرجُ الجمعة، وعُرف بهذا وجهُ إيرادِ هذه الأحاديثِ في هذه الترجمةِ، قاله في ((الفتح)).
          (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) أي: ابنُ الخطاب ☻ (إِنَّمَا الغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةُ) قال الكرماني: وفي بعضها بدلُ ((الجمعة)): ((الغسل)) والمرادُ بمن تجب عليه: المكلفُ. انتهى.
          وأقول: المعنى على هذه النسخة: إنما الغسلُ للجمعة على كلِّ مكلفٍ؛ لأنه الذي يجب عليه الغسلُ، والتعبير بـ((على)) ربما يقتضي أنَّ مذهبَه وجوبُ الغسل على مَن شهد الجمعةَ، ولعلَّه عبَّر تبعاً للأحاديث، وهذا التعليقُ وصله البيهقي بسندٍ صحيحٍ عن ابن عمر، وزاد: والجمعةُ على مَن يأتي أهله.
          ومعنى هذه الزيادة كما في ((الفتح)): أنَّ الجمعةَ تجب عنده على مَن يمكنه الرجوعُ إلى موضعه قبل دخولِ الليل، فمَن كان فوق هذه المسافةِ لا تجبُ عليه عنده، وسيأتي ذلك بعد بابٍ.
          وإيرادُ المصنفِ هذا الأثرَ يدلُّ على اختيار أنَّ الغسلَ للجمعة عنده لا يُشرعُ إلا لمنْ وجبت عليه، كما هو عادته في إيراد الآثارِ في التراجم.
          وهذا أحدُ أقوالٍ ثلاثةٍ في المسألة، كما قاله ابن رجبٍ، قال: وهو وجهٌ لأصحابنا.
          ثانيها: وهو قولُ الأكثرين كمالكٍ والشافعي / وأحمد وإسحاق، إلا أنَّ أحمدَ استثنى منه المرأةَ خاصةً إلحاقاً لغسلها بتطييبها، وهي منهيةٌ عنه إذا حضرت المسجدَ، واستحبَّه آخرون وبعضُ أصحاب أحمدَ حيث لم يكنْ خروجُها للجمعة مكروهاً.
          ثالثها: قولُ طائفةٍ من العلماء: أنَّ كلَّ مَنْ كان من أهل وجوبِ الجمعة وإنْ كان له عذرٌ يمنع الوجوبَ فإنه يغتسل يومَ الجمعة مريضاً كان أو مسافراً أو غير ذلك.
          وروي عن طلحةَ بنَ عبيد الله ومجاهدٍ وطاوس وسعيد بن جبيرٍ، وهو قولُ إسحاقَ وأبي ثورٍ ووجهٌ للشافعية، ولهم وجهٌ آخر: يسنُّ لكلِّ أحدٍ مكلفاً كان أو غيره. انتهى.
          وقوله: ((إنما الغسلُ على مَنْ تجب عليه الجمعةُ)): يحتمل أنه لا يجبُ الغسلُ أو لا يندب، وقول ((الفتح)): لا يشرعُ إلا لمنْ وجبت عليه، يصدقُ بالأعمِّ، ومفهومُ الحديثِ الأول يقتضي الثاني، ولذا قال القسطلاني: نعم يندبُ له إنْ حضرَ.