نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الرطب والتمر

          ░41▒ (بابُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ) وربما أشار به إلى أنَّ التَّمر له فضل على غيره من الأقوات فلذلك ذكر قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ} [مريم:25] الآية على ما يذكر إن شاء الله تعالى.
          وقد روى التِّرمذي من حديث عائشة ♦ عن النَّبي صلعم قال: ((بيت لا تمرَ فيه جياعٌ أهله)) وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريب، والرُّطَبُ والتَّمْر من أطيبِ ما خلق الله ╡ وأباحه للعباد، وهو طعامُ أهل الحجاز وعمدةُ أقواتهم، وقد دعا إبراهيم ◙ لتمر مكَّة بالبركة ودعا رسول الله صلعم لتمر المدينة بمثلِ ما دعا به إبراهيم ◙ فلا تزال البركةُ في تَمْرِهم وثِمَارِهم إلى السَّاعة.
          وقد وقع في كتاب ابن بطَّال: <باب الرُّطب بالتَّمر> بالباء الموحدة، وليس في حديثي الباب مثل لذلك.
          (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) خطاباً لمريم ♀ حين أجاءها المخاض بعيسى ◙ ({وَهُزِّي إِلَيْكِ}) أي: حَرِّكي إلى نفسك ({بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم:25]) وهو ساقها، والباء زائدة، كما قال أبو علي: هزي جذع النَّخلة (1)، وكانت ليس لها سعف ولا كرانيف ولا عذوق (2) وكانت في موضع يقال له: بيت لحم، وهي قرية قريبة من بيت المقدس على ثلاثة أميالٍ، وكانت / لمَّا حَمَلَتْ بعيسى ◙ خافت على نفسها من قومها وخرجت مع ابن عمِّها يوسف طالبة أرضَ مصر، فلمَّا وصلتْ إلى النَّخلة أدركها النَّفاس واحتضنت النَّخلة، وأحدقت بها الملائكة، فنوديت: {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم:24] ؛ أي: نهراً ولم يكن هناك نهر ولا عين، وقيل: المراد بالسَّري عيسى ◙ وعلى الأوَّل الجمهور. وقال مقاتل: لما سقط عيسى ◙ على الأرض ضرب برجلهِ فنبع الماء وأَطْلَعَتِ النَّخلةُ وأورقتْ وأثمرتْ، وقيل لها: هزِّي إليك بجذع النَّخلة؛ أي: حركيه.
          ({تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} [مريم:25]) أي: غصناً طرياً بلغ الغايةَ وجاء وقت اجتنائه، ولهذا استحبَ العلماءُ للنُّفساء أكلَ الرُّطب. وقال الرَّبيع بن خيثم: ما للنُّفساء عندي خير من الرُّطب، ولا للمريض من العسل، ثمَّ قرأ هذه الآية، رواه عبد بن حميد.
          وأخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى الموصلي وأبو بكر بن السُّني من حديث علي ☺ رَفَعَه، قال: ((أطعموا نفساءكُم الولد الرُّطَب فإن لم يكن رطب فتمر، وليس من الشَّجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة نزلت تحتها مريم ♀)).
          وقراءة الجمهور: {تَسَّاقَطْ} بتشديد السين، وأصله: تتساقط. وقراءة حمزة: بالتَّخفيف، وهي رواية عن أبي عَمرو على حذف إحدى التَّاءين، وفيها قراءتان أخريان: ({تُسَاقِط}) بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف، وهي قراءة عاصم من رواية حفص، و({يسَّاقَط} [مريم:25]) بالتحتية وتشديد السين وفتح القاف، وهي قراءة يعقوب من رواية روح.


[1] في هامش الأصل: مما ينسب إلى علي ☺:
~توكل على الرحمن ثم اطلب الغنى                     فإني رأيت الفخر في ترك الطلب
~ألم تر أن الله قال لمريم                     وهزي إليك الجذع تساقط الرطب
~ولو شاء مال الجذع من غير هزها                     إليها ولكن الأمور لها سبب
~توكل على الرحمن في كل حاجة                     ولا تتركن الجهد في كثرة التعب.
[2] بياض في الأصل.