نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الأكل في إناء مفضض

          ░29▒ (باب) حكم (الأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ) وهو: المرصَّعُ بالفضَّة، يقال: لجام مفضض؛ أي: مرصع بالفضَّة، ومعنا إناء مفضض، وإناء متَّخذ من فضَّة، وإناء مضبَّب بفضة، وإناءٌ مطليُّ بالفضَّة. /
          أمَّا الإناء المفضَّضُ فيجوز الشَّرب فيه عند أبي حنيفة إذا كان يتَّقي موضع الفضَّة، وهو أن يتَّقي موضع الفم وموضع اليد، وكذلك الجلوس على السِّرير المفضض والكرسي المفضض بهذا الشَّرط، وقال أبو يوسف يكره ذلك، وبه قال محمد في رواية، وفي أخرى مع أبي حنيفة.
          وأمَّا الإناء المتَّخذ من الفضَّة فلا يجوز استعماله أصلاً لا بالأكل ولا بالشُّرب ولا بالادهان، ولا يجوز ذلك للرَّجال والنِّساء. وأمَّا الإناء المضبب بالفضَّة أو الذَّهب فعلى الخلاف المذكور، والمضبَّب هو المشدَّد بالفضَّة أو الذَّهب، ومنه ضبب أسنانه بالفضَّة إذا شدَّها. وأمَّا الإناء المطليُّ والمموَّه بالفضَّة أو الذَّهب فإن كان يخلصُ شيء منها بالإذابة فلا يجوز استعماله، وإن كان لا يخلصُ شيء فلا بأس به عند أصحابنا.
          والحاصل: أنَّ الذي كله ذهب أو فضَّة فلا يجوز استعماله أصلاً، وأمَّا المخلوص أو المضبب أو المموه فعلى الخلاف المذكور.
          ومَن مَنَعَ استعمالَه استدلَّ بما روى الدَّارقطني والبَيهقي عن ابن عُمر ☻ رَفَعَه: ((من شرب في آنية الذَّهب أو الفضَّة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنَّما يجرجر في جوفه نار جهنم)). لكن قال البَيهقي: المشهور أنَّه عن ابن عُمر ☻ موقوف عليه، وهو عند ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه: «أنَّه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضَّة».
          وفي «الأوسط» للطَّبراني من حديث أمِّ عطية: نهى رسول الله صلعم عن تفضيضِ الأقداح، ثمَّ رخَّص فيه للنِّساء، فيحرَّم استعمال كلِّ إناء جميعه أو بعضه ذهب أو فضَّة لما ذكر واتخاذه؛ لأنَّه يجر إلى استعماله، وكذا المُضَبَّب بأحدهما، وقال بعضهم: ضبةُ الفضَّةِ الكبيرةُ لغير حاجة بأن كانت لزينة، أو بعضها لزينة، وبعضها لحاجة فيحرم استعمال ذلك واتِّخاذه، وإن كانت صغيرة لغيرِ حاجة بأن كانت لزينة، أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة، أو كبيرة لحاجة / كُرِهَ ذلك؛ لما روى البُخاري ☼ : أنَّ قدَحه صلعم الذي كان يشربُ فيه كان مسلسلاً بفضَّة لانصداعه؛ أي: بخيط فضَّة لانشقاقه.
          وخرج بغير حاجة الصَّغيرةُ لحاجةٍ فلا يُكره، ومرجع الكبيرة والصَّغيرة العرف، وإنَّما حرِّمت ضبَّة الذَّهب مطلقاً؛ لأنَّ الخيلاءَ فيه أشدُّ من الفضَّة.