نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: خيركم من تعلم القرآن وعلمه

          5027- (حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ) بكسر الميم وسكون النون، الأنماطي السُّلَمِي البصري قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابن الحجَّاج، قال: (أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة، الحضرمي الكوفي، قال: (سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ) بضم العين مُصَغَّرًا، وسكون العين من سعد، هو: أبو حمزة الكوفي السُّلمي ختن أبي عبد الرَّحمن السُّلمي (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عبد الله بن حبيب بن رُبَيْعَة بالتَّصغير (السُّلَمِيِّ) بضم السين المهملة وفتح اللام، الكوفي القارئ، لأبيه صُحبة، وقد أدخل شعبة هنا بين علقمةَ وأبي عبد الرَّحمن سعدَ بنَ عبيدة، وخالفه سفيان الثَّوري في الحديث الآتي فقال: عن علقمةَ بن مرثد، عن أبي عبد الرَّحمن، ولم يذكر سعدَ بن عُبيدة، وقد تابع شعبةَ جماعةٌ في ذلك.
          وقد أطنبَ الحافظُ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطَّار في كتابه «الهادي في القراءات» في تخريجِ طُرُقهِ؛ فذكر ممَّن تابع شعبةَ فوق الثَّلاثين منهم: عبدُ بن حُميد، وقيس بن الرَّبيع، وممَّن تابع سفيان أيضًا فوق العشرين منهم: مسعر وعَمرو بن قيس الملائي.
          وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول «الشريعة» له، وأكْثَرَ من تَخْرِيجِ طُرُقه، ورجَّح الحفَّاظ روايةَ سفيان، وعدُّوا رواية شعبة من المزيد في متصل / الأسانيد.
          وقال التِّرمذي: كأن روايةَ سفيان أصحُّ من رواية شعبة، وأما البُخاري فقد أخرج الطريقين، وكأنَّه ترجَّح عنده أنَّهما جميعًا محفوظان، فيُحْمَلُ على أن علقمة سمعه أولًا من سعد ثم لقي أبا عبد الرَّحمن فحدَّثه به، أو سَمِعَه مع سعد من أبي عبد الرحمن فتثبت فيه شعبة.
          ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن عبيدة من الزيادة الموقوفة وهي قول أبي عبد الرَّحمن: فذاك الذي أقعدني هذا المقعد، كما سيأتي البحث فيه.
          وقد شذت رواية عن الثَّوري بذكر سَعْدِ بن عبيدة فيه.
          قال التِّرمذي: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا يحيى القطان: حدثنا سفيان وشعبة، عن علقمة، عن سعد بن عبيدة، به. وقال النَّسائي: أخبرنا عبيد الله بن سعيد: حدثنا يحيى، عن شعبة وسفيان: أن علقمة حدَّثهما عن سعد. قال التِّرمذي: قال محمد بن بشار: أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعدَ بن عبيدة، وهو الصحيح. انتهى.
          وهذا حَكَمَ عليُّ بن المديني على يحيى القطانِ فيه بالوَهَم.
          وقال ابن عدي: جَمَعَ يحيى القطان، بين شعبة وسفيان، فالثَّوري لا يذكر في إسناده سعْدَ بن عبيدة، وهذا مما عُدَّ في خطأ يحيى القطان على الثَّوري.
          وقال في موضع آخر: حَمَلَ يحيى القطانُ روايةَ الثَّوريِّ على رواية شعبة فساق الحديث عنهما، وحَمَل إحدى الروايتين على الأخرى، فساقه على لفظ شعبة، وإلى ذلك أشار الدارقطني.
          وتُعُقِّبَ: بأنَّه فَصَلَ بين لفظيهما في رواية النَّسائي فقال: قال شعبة: خيركم، وقال سفيان: أفضلكم.
          وقال الحافظُ العسقلاني: وهو تَعَقُّبٌ واهٍ، إذ لا يلزم من تفصيله للفظيهما في المتن أن يكون فصل لفظهما في الإسناد. قال ابن عدي: يقال: إن يحيى القطان لم يخطئ قط إلَّا في هذا الحديث، وذكر الدارقطني: أن خلاد بن يحيى تابع يحيى القطان عن الثَّوري على زيادة سَعْدِ بن عبيدة، وهي رواية شاذة. وأخرج ابن عدي من طريق يحيى بن آدم، عن الثَّوري وقيس بن الربيع.
          وفي رواية: عن يحيى بن آدم، عن شعبة / وقيس بن الربيع جميعًا، عن علقمة، عن سعد بن عبيدة، قال: وكذا رواه سعيد بن سالم القداح، عن الثَّوري ومحمد بن أبان كلاهما، عن علقمة بزيادة سَعْد، وزاد في إسناده رجلًا آخر، وكلُّ هذه الروايات وهم، والصواب: عن الثَّوري بدون ذِكْرِ سَعْد، وعن شعبة بإثباته.
          وقد قيل: إن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالحديثُ حديثُ سفيان. قال وكيع: روى شعبةُ حديثًا فقيل له: إن سفيان يخالفك فيه، فقال: دعوا حديثي، سفيانُ أحفظُ مني.
          (عَنْ عُثْمَانَ) أي: ابن عفان ☺، وفي رواية شريكٍ، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود ☺، أخرجه ابن أبي داود بلفظ: ((خيركم من قرأ القرآن وأقرأه)).
          وذكره الدَّارقطني وقال: الصحيح عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان ☺.
          وفي رواية خلاد بن يحيى، عن الثَّوري بسنده قال: عن أبي عبد الرَّحمن، عن أبان بن عثمان، عن عثمان ☺.
          قال الدَّارقطني: هذا وَهَم، فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون السلمي أخذه عن أبان بن عثمان، ثم لقي عثمان ☺ فأخذه عنه.
          وتُعُقِّبَ: بأن أبا عبد الرحمن أكبرُ من أبان.
          وأبانُ اختُلِفَ في سماعه من أبيه أشدَ مما اختُلِفَ في سَمَاعِ أبي عبد الرحمن من عثمان ☺؛ فبَعُدَ هذا الاحتمال.
          وجاء من وَجْهٍ آخر كذلك، أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي الحسن سعيد بن سلام العطار عن محمدِ بن أبان: سمعتُ علقمة يُحَدِّثُ عن أبي عبد الرَّحمن السلمي، عن أبان بن عثمان بن عفان، عن أبيه عثمان ☺، فذكره.
          وقال: تفرد به سعيد بن سلام؛ يعني: عن محمد بن أبان.
          قال الحافظُ العسقلاني: وسعيد ضعيف، وقد قال أحمد: حدثنا حجاج بن محمد، عن شعبة قال: لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان.
          وقد نقله أبو عَوَانة في «صحيحه» عن شعبة، ثم قال: اختلف أهل التمييز في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان ☺.
          ونقل ابن أبي داود عن يحيى بن معين مِثْلَ ما قال شعبة.
          وذكر الحافظ أبو العلاء: أن مسلمًا تنكب عن إخراج هذا الحديث / في «صحيحه» لذلك.
          قال الحافظُ العسقلاني: وقد وقع في بعض الطرق التصريحُ بتحديث عثمان ☺ لأبي عبد الرحمن، وذلك فيما أخرجه ابن عدي في ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي مريم من طريق ابن جُريج، عن عبد الكريم، عن أبي عبد الرحمن: حدثني عثمان، وفي إسناده مقال.
          لكن الظاهرَ أن البخاريَّ اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن بعثمان ☺ على ما وَقَعَ في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة، وهي: أن أبا عبد الرحمن أَقْرَأَ من زَمَنِ عثمان ☺ إلى زَمَنِ الحَجَّاج، وأن الذي حَمَلَه على ذلك هو الحديثُ المذكور، فدَلَّ على أنَّه سَمِعَه في ذلك الزّمان، وإذا سَمِعَه في ذلك الزمان ولم يُوْصَفُ بالتدليس اقتضى ذلك سماعَه ممن عَنْعَنَه عنه، وهو عثمان ☺، ولاسيما مع ما اشتهر بين القراء أنَّه قرأ القرآن على عثمان ☺، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن بهدلة أبي النجود وغيره، وكان هذا أولى من قول مَن قال: إنَّه لم يسمعْ منه، والله تعالى أعلم.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) كذا في رواية الأكثرين بواو العطف، وفي رواية السرخسي: <أو علمه> بكلمة أو للتنويع لا للشك.
          وكذا لأحمد، عن غندر، عن شعبة، وزاد في أوَّلِه: إنَّ أكثرَ الرواةِ عن شعبة يقولونه: بالواو.
          وكذا وقع عند أحمد عن بَهْز.
          وعند أبي داود عن حَفْص بن عمر كلاهما عن شعبة.
          وهكذا أخرجه التِّرمذي من حديث علي ☺، وهي أظهر من حيث المعنى؛ لأن التي بأو تقتضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فَعَلَ أَحَدَ الأمرين، فيلزم أنَّ من تَعَلَّمَ القرآن ولو لم يُعَلِّمْه غيرَه يكون خَيْرًا ممن عَمِلَ بما فيه مثلًا، ولم يتعلمه، والمقصود بالذات: هو العَمَل به، فافهم.
          ولا يقال: يلزم على رواية الواو أيضًا أن من تَعَلَّمه وعَلَّمه غيره يكون أفضل ممن عَمِل بما فيه من غير أن يتَعَلَّمه ويُعَلِّم غيره. /
          لأنَّه يقال: يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من جهة حصول التعليم بعد العلم، والذي يُعَلِّم غيرَه يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يَعْمِلُ فقط، بل من أشرف العِلْم تعليمُ الغيرِ، فتعلمُ غيرِه يستلزُم أن يكون تَعَلُّمُه وتعليْمُه لغيرِه عَمَلٌ يحصل به نفعٌ مُتَعَدٍّ.
          ولا شك أن عِلْمَ القرآن أشرفُ العلوم فيكون من تَعَلَّمه وعَلَّمه غيرَه أشرف ممن يعْمَلُ بما جاء فيه ولا يتعلَّمه ولا يعلِّمه، وممن يتعلَّمه ولا يُعَلِّمه، إذ لا شك أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعْلِيمه يكْمُلُ لنفسه، ولغيره جامِعٌ بين النفع القاصر، والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل.
          وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، والدعاء إلى الله تعالى بأمور شتى.
          ومن جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام:157]، ففي الحديث دلالةٌ على أنَّ قراءةَ القرآن وإقراءَه أفضلُ أعمالِ البرِّ كلِّها.
          قال الحافظُ العسقلاني: فإن قيل: يلزم على هذا أن يكون تَعَلُّمُ القرآنُ وتعليمُه أفضلَ من تعلُّم الفِقه وتعليمه، والمقرئُ أفضلُ من الفقيه.
          أجيب: بأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء الناس؛ لأنَّهم كانوا أهل اللسان وكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر ممن يدريها من بعدهم بالاكتساب، وكان الفقهُ لهم سجيةً، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا من كان قارئًا أو مقرئًا محضًا لا يفهم شيئًا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه.
          فإن قيل: فيلزم أن يكون المقرئُ أفضلَ ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلًا.
          فالجواب: أن المسألة تدور على النفع المتعدي فمن كان حصولُه عنده أكثر كان أفضل، ولعل من مضمرة في الخبر ولا بد مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل صِنفٍ منهم.
          ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت، لكنها مقيَّدَةٌ بناس مخصوصين خوطبوا بذلك وكان اللائق / بحالهم ذلك.
          أو المراد: خير المتعلمين من يُعَلِّم غيرَه لا من يقتصر على نفسه، أو المراد مراعاة الحيثية؛ لأن القرآنَ خيرُ الكلام، فمُتَعَلِّمُه خيرٌ من مُتَعَلِّمِ غيرِه بالنسبة إلى خيريَّةِ القرآن.
          وقد أدرج بعضُ الرواة في هذا الحديث كلماتٍ يظنُّ مَن لا عِلْمَ له بسياق الحديث أنَّها مرفوعة وهو أن أبا يحيى إسحاق بن سليمان الرازي روى عن الجراح بن الضحاك، عن علقمة، عن السلمي، عن عثمان ☺: قال رسول الله صلعم : ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الخالق على المخلوق)). وذلك أنَّه منه، وهذه الزيادة إنما هي من كلام أبي عبد الرَّحمن، قال ذلك عامة الحفاظ منهم إسحاق بن راهويه وغيره.
          هذا، وقال ابن الجوزي: تعليم اللازم من القرآن والفقه فرض على الأعيان وتعلُّم جميعهما فرض على الكفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين، فإن فرضنا الكلام في التزيد منهما على قَدْر الواجب في حقِّ الأعيان، فالتشاغل بالفقه أفضل، وذلك راجع إلى حاجة الإنسان، لا أنَّ الفِقْهَ أفضل من القراءة، وإنما كان القارئ في زمن النَّبي صلعم هو الأفقه؛ فلذلك قُدِّمَ القارئُ في الصلاة.
          (قَالَ) أي: سَعْد بن عُبيدة، فإنَّه لم تُرَ هذه الزيادةُ إلَّا من رواية شعبةَ، عن علقمة (وَأَقْرَأَ) من الإقراء (أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أي: السلمي الناس القرآن.
          (فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ) أي: ابن عفَّان ☺ (حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ) أي: ابن يوسف الثقفي؛ أي: انتهى إقراؤه إلى أن كان الحجاج واليًا على العراق، وهذه مدة طويلة، ولم يبين ابتداء إقرائه ولا انتهاء أمره على التحرير، إلَّا أنَّ بين أول خلافة عثمان ☺ وآخر ولاية الحجاج: اثنتان وسبعون سنة، إلَّا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان ☺ وأولِ ولاية الحجاج العراق: ثمان وثلاثون سنة.
          (قَالَ) أي: أبو عبد الرَّحمن (وَذَاكَ) أي: الحديث المرفوع الذي حدَّث به عثمان ☺ / في أفضلية من تعلَّم القرآن وعلَّمه هو (الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا) وأشار به إلى مَقْعَدِه الذي كان يُقْرِئ الناس فيه، وفي الحقيقة مراده من المقعد الذي أُقْعِدَ فيه: منزلتُه التي حَصَلَتْ له مع طول المدة ببركة تعليمه القرآن الكريم للناس، وإسناده إليه إسناد مجازيٌّ.
          وحكى الكِرماني: أنَّه وقع في بعض نسخ البخاري: ((قال سعد بن عبيدة: وأقرأني أبو عبد الرحمن)) بذكر المفعول.
          قال: وهي أنسب لقوله: وذلك الذي أقعدني إلى آخره؛ أي: إن إقراءه إياي هو الذي حَمَلَني على أن قَعَدْتُ هذا المَقْعَد الرفيع والمنصبَ الجليل. انتهى.
          والذي في معظم النسخ: (وأقرأ) بحذف المفعول.
          قال الحافظُ العسقلاني: وهو الصواب، وكأنَّ الكِرماني ظن أن قائل وذاك الذي أقعدني...إلى آخره هو سعد بن عبيدة، وليس كذلك، بل هو أبو عبد الرَّحمن، وإنَّما سيقت لبيان طول مدته لإقرائه الناس القرآن.
          ولو كان كما ظن؛ للزم أن يكون سعد بن عبيدة قرأ على أبي عبد الرحمن زمن عثمان ☺، وسعد لم يدرك زمن عثمان ☺، فإن أكبر شيخ له: المغيرة بن شعبة، وقد عاش بعد عثمان ☺ خَمْسَ عشرة سنة.
          وللزم أيضًا أن يكون الإشارة بقوله: وذاك، إلى صنع أبي عبد الرحمن، وليس كذلك، بل الإشارة بقوله: وذاك؛ إلى الحديث المرفوع.
          وقد وقع ذلك صريحًا في رواية أحمد عن محمد بن جعفر وحجاج بن محمد جميعًا، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، قال: قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني هذا المقعد.
          وكذا أخرجه التِّرمذي من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة، وقال فيه: مَقْعَدِي هذا، قال: وعلَّم أبو عبد الرحمن القرآنَ في زمن عثمان ☺ حتى بلغ الحجاج.
          وعند أبي عَوَانة من طريق بِشر بن عمر وأبي غياث وأبي الوليد ثلاثتهم، عن شعبة بلفظ: قال أبو عبد الرحمن فذاك أقعدني مقعدي هذا، وكان يُعَلِّمُ القرآنَ، فالإشارة بذاك إلى الحديث المرفوع.
          ويحتمل أن تكون الإشارةُ به إلى عثمان ☺. /
          وقد وقع في رواية أبي عَوَانة أيضًا عن يوسف بن مسلم، عن حجَّاج بن محمد بلفظ: قال أبو عبد الرحمن، وهو الذي أجلسني هذا المجلس. وقال العيني: ما قاله هو الصَّواب. وقد تاهُ الكِرمانيُّ في هذا، وما اكتفى بِنَقْلِه رواية: أقرأني، التي ما صحَّت حتى بنى عليها كلامَه الذي صَدَرَ عنه من غير رويَّةٍ. انتهى.
          ولله درُّه ما أنصفَه؛ فقد ترك التَّعصب هنا الذي هو عادتُه في شأن الحافظِ العسقلاني.
          ومطابقةُ الحديث للترجمة أظهرُ من أن تخفى، بل هي عينه كما تقدَّم. وقد أخرجَه أبو داود في الصَّلاة، والتِّرمذي في فضائل القرآن، وكذا النَّسائي فيه، وابن ماجه في السُّنة.