نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الترجيع

          ░30▒ (بابُ التَّرْجِيعِ) أي: في القراءة، وهو تقاربُ ضروب الحركات في القراءة، وأصله التَّرديد، وترجيع الصَّوت: ترديدُه في الحلق، وقد فسَّره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفَّل المذكور في هذا الباب [خ¦5047] في كتاب التوحيد [خ¦7540] بقوله: يقول آء آء آء، بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى، وقالوا: يحتمل أمرين: أحدهما: أنَّ ذلك حَدَثَ من هزِّ الناقة. والآخر: أنَّه أشبع المدَّ في مَوْضِعِه فحَدَثَ ذلك، وهذا الثاني أشبهُ بالسِّياق.
          قال الإمامُ القسطلاني: وإذا جمعتَ هذا إلى قوله صلعم : ((زيِّنوا القرآن بأصواتكُم)) ظهر لك أنَّ هذا الترجيع منه صلعم كان اختيارًا لا اضطرارًا لهزِّ النَّاقة له، فإنَّه لو كان لِهَزِّ الناقة لما كان داخلًا تحت الاختيار؛ فلم يكن عبدُ الله بن مُغَفل يفعلُه ويحكيهِ اختيارًا ليُتَأَسى به، وهو يراهُ من هزِّ النَّاقة له، ثمَّ يقول: كان يُرَجِّعُ في قراءته، فَنَسَبَ التَّرجيعَ إلى فِعْلِه.
          وقد ثبتَ في رواية عليِّ بن الجَعْد عن شعبة عند الإسماعيليِّ فقال: لولا أن يجتمعَ الناس علينا لقرأتُ لكم بذلك اللَّحن؛ أي: النَّغم، ثمَّ إنَّه ليس المراد ترجيع الغناء كما أحدثه قرَّاءُ زماننا؛ لأنَّ القراءةَ بترجيع الغناء يُنافي الخشوع الذي هو المقصود من التِّلاوة عفا الله عنهم، ووفقنا أجمعين لتلاوة كتابهِ على النَّحو الذي يُرضيه عنَّا بمنِّه وكرمه.