نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: من لم يتغن بالقرآن

          ░19▒ (بابُ مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ) أي: منْ لمْ يَرَ التَّغني بالقرآن. وهذه الترجمة لفظ حديثٍ أخرجه البخاريُّ في الأحكام [خ¦7527] (1) من طريق ابن جُريج، عن ابن شهابٍ بسَنَدِ حديث الباب بلفظ: ((من لم يتغنَّ بالقرآن فليس منا)). وهو في «السنن» من حديث سَعْدِ بن أبي وقَّاص ☺ وغيره. /
          (وَقَوْلِهِ تَعَالَى) مجرور عطفًا على قوله: ((من لم يتغنَّ))؛ لأنَّه في محلِّ الجرِّ بإضافة لفظ باب إليه ({أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}) أي: القرآن العظيم الذي فيه خبر ما قبلَهم، ونبأُ ما بعدهم، وحكم ما بينهم ({يُتْلَى عَلَيْهِمْ}) في كلِّ زمان ومكان؛ فلا تزالُ معهم آية ثابتةٌ لا تزول. ولم يثبت قوله: <{يتلى عليهم}> في رواية غير أبي ذرِّ عن الكُشْمِيْهَني.
          وأشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير ابن عُيينة يتغنى بقوله: يستغني، كما سيأتي في هذا الباب عنه. وأخرجه أبو داود عن ابن عُيينة ووكيع جميعًا، وقد بيَّن إسحاق بن راهويه عن ابن عُيينة: أنَّه استغناءٌ خاصٌّ.
          وكذا قال أحمدُ عن وكيع: يستغني به عن أخبارِ الأمم الماضية. وقد أخرجه الطَّبري وغيره من طريق عَمرو بن دينار، عن يحيى بن جَعْدة قال: جاء ناسٌ من المسلمين بكُتُبٍ قد كتبوا فيها بعضَ ما سَمِعُوه من اليهود، فقال النَّبي صلعم : ((كفى بقوم ضلالةً أن يرغبوا عمَّا جاء به نبيُّهم إليهم إلى ما جاء به غيرُه إلى غيرهم، فنزلت: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [العنكبوت:51] الآية)).
          وقد خفي وجهُ مناسبة هذه الآية هنا على كثيرٍ من الناس كابن كثير، فنفى أن يكون لِذِكْرِها هنا وجهٌ على أنَّ ابنَ بطَّال قد أشار إلى المناسبة. فقال: قال أهلُ التَّأويل في هذه الآية، فذَكَرَ أَثَرَ يحيى بنَ جَعْدة مختصرًا، قال: فالمراد بالآية الاستغناءُ عن أخبارِ الأمم الماضية، وليس المرادُ بالاستغناء الذي هو ضدُّ الفقر. قال: وإتباعُ البخاريِّ الترجمةَ بالآية يدلُّ على أنَّه يذهب إلى ذلك.
          وما قاله العيني: لكن ابن عُيينة حَمَلَه على ضدِّ الفقر، والبخاري حمله على ما هو أعمُّ من ذلك؛ ففيه نظرٌ.


[1] إلا أني وجدته في كتاب التوحيد.