نجاح القاري لصحيح البخاري

المعوذات

          ░14▒ (بابُ فَضْلِ الْمُعَوِّذَاتِ) بكسر الواو، وثبت لفظ: <باب> في رواية أبي ذرٍّ، والمعوِّذات: جمع معوِّذة، والمراد بها: السُّور الثلاث، وهي سورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس.
          وقال الحافظُ العسقلاني: وقد كنتُ جَوَّزْتُ في بابِ الوفاة النَّبويَّةِ أنَّ الجَمْعَ فيه بناء على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان، ثمَّ ظهر من حديث هذا الباب أنَّه على الظَّاهر، وأنَّ المراد بأنَّه كان يقرأ بالمعوِّذات أنَّه كان يقرأ بالسُّور الثلاث، وذكر سورة الإخلاص معهما تغليبًا لما اشتملتْ عليه من صفة الرَّبِّ تعالى، وإن لم يصرَّح فيها بلفظ التعويذ.
          وقد أخرج أصحاب «السنن» الثلاثة وأحمدُ وابنُ خُزيمة وابن حبَّان من حديث عُقبة بن عامر: قال لي رسولُ الله صلعم : (({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} تعوَّذْ بهنَّ، فإنه لم يُتَعَوَّذ بمِثْلِهِنَّ)). وفي لفظ: ((اقرأْ المعوَّذات دبرَ كلِّ صلاة)) فذكرهنَّ.
          وخصَّ المستعاذ منه في الثانية بما خَلَقَ فابتدأ بالعام في قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:2] ثم ثنَّى بالعطف في قوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} [الفلق:3] ؛ لأنَّ انبثاث الشَّرفية أكثر، والتَّحرُّزَ منه أصعبُ. ووصف المستعاذ به في الثالثة بالرَّب ثمَّ بالملك ثمَّ بالإله، وأضافها إلى النَّاس وكرَّره، وخصَّ المستعاذ منه بالوسواس المغيى به الوسواس من الجِنَّة والناس.
          فكأنَّه قيل: كما قاله الزَّمخشري: أعوذ من شرِّ الموسوس إلى النَّاس بربهم الذي يملكُ عليهم أمورهُم، وهو إلههم ومَعبودهم، كما يستغيثُ بعضُ الموالي إذا اعتراهُم خطب بسيِّدهم ومخدومِهم / ووالي أمْرِهم.