نجاح القاري لصحيح البخاري

باب حسن الصوت بالقراءة

          ░31▒ (بابُ حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ) وفي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت: <بالقراءة للقرآن> ولا شكَّ أنَّه يستحبُّ تحسين الصَّوت بالقراءة. وحكى النَّووي الإجماع عليه لكونهِ أوقع في القلب، وأشدَّ تأثيرًا، وأرقَّ لسامعه، فإن لم يكن القارئ حسنَ الصَّوت فليحسِّنه ما استطاعَ، ومن جملة تحسينهِ أن يراعي فيه قوانين النَّعَم، فإن الحَسَنَ الصَّوتِ يَزْدَادُ حُسْنًا بذلك.
          وقد أخرج ابنُ أبي داود من طريق أبي مَشْجَعَةَ قال: ((كان عمرُ ☺ يقدِّم الشابَّ الحَسَن الصَّوتِ لحُسْنِ صَوتهِ بين يدي القوم))، وهذا إذا لم يخرج عن التَّجويد المعتبر عند أهلِ القرآن، فإن خَرَجَ عنه لم يف تحسينُ الصَّوت بقُبْحِ الأداء.
          وقال في «الروضة» وأمَّا القراءة بالألحان فقال الشافعي في «المختصر»: لا بأس بها، وفي رواية: مكروهة، قال جمهور الأصحاب: ليست على القولين بل المكروه أن يفرطَ في المدِّ، وفي إشباع الحركات / حتى يتولَّد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، أو يُدغم في غير موضعِ الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحدِّ فلا كراهة. قال النَّووي: إذا أفرطَ على الوجه المذكور فهو حرامٌ صرَّح به «صاحب الحاوي» فقال: حرام يفسَّق به القارئ، ويأثم به المستمع؛ لأنَّه عدل به عن نهجهِ القويم، وهذا مرادُ الشَّافعي بالكراهة. انتهى.
          وقد عُلِمَ مَّما ذُكِرَ أنَّ ما أحدثه المتكلِّفون بمعرفة الأوزان والموسيقى في كلامِ الله تعالى من الألحان والتَّطريب والتَّغني المُسْتَعْمَلِ في الغناء بالغزلِ على إيقاعات مخصوصةٍ وأوزانٍ مخترعةٍ أن ذلك من أشنعِ البِدَعِ وأَسْوَئِها، وأنَّه يُوْجِبُ على سامعهِ النَّكيرَ وعلى التالي التَّعزير.
          نعم، إن كان التَّطريبُ والتَّغني ممَّا اقتضته طبيعة القارئ وسمحتْ به من غير تكلُّف ولا تمرين وتعليم ولم يخرجْ عن حدِّ القراءة فهذا جائزٌ، وإن أعانته طبيعتُه على فضلِ تحسين كما يشهد به حديثُ الباب.