نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: نزل القرآن بلسان قريش والعرب

          ░2▒ (باب: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ) أي: بلغتهم؛ يعني: معظمه وأكثره؛ لأنَّ في القرآن همزًا كثيرًا، وقريش لا تهمز، وفيه كلمات على خلافِ لغة قريش، وقد قال الله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ولم يقل: قريشيًا، ولذا عطف عليه قوله: (وَالْعَرَبِ) أي: ولسان العرب، وهو من قبيلِ عطف العام على الخاص؛ لأنَّ قريشًا من العرب.
          وفائدةُ تخصيصِ قريش بالذِّكر؛ لما ذكر من أنَّ مُعْظَمَه بلغتهم، ولزيادة شرف قريش على غيرهم من العرب. فأمَّا نزولُه بلغة قريش، فمذكور في الباب من قول عثمان ☺، كما سيأتي [خ¦4984]، وقد أخرج أبو داود من طريق كعب الأنصاري: ((أنَّ عمر ☺ كتب إلى ابنِ مسعود ☺: إنَّ القرآن نزل بلسان قريشٍ، فأقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل))، وأمَّا عطف العرب عليه: فقد عرفت أنَّه من عطف العام على الخاصِّ. وقد أخرج ابنُ أبي داود في «المصاحف» من طريق أُخرى عن عمر ☺ / قال: ((إذا اختلفتم في اللُّغة فاكتبوها بلسان مضر)). انتهى.
          ومضر هو: ابنُ نزار بن مَعَدِّ بن عدنان، وإليه تنتهي أنسابُ قريش وقيس وهذيل وغيرهم.
          (وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى) وفي نسخة: <╡> ({قُرْآنًا}) وفي رواية غير أبي ذرٍّ سقط قوله: <وقول الله تعالى> ({عَرَبِيًّا}) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3] ({بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}) أشار به إلى قوله: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:194-195] ذكر ذلك في معرضِ الاستدلال بأنَّ القرآن نزلَ بلسان العربِ بلسان قريش وغيرهم.
          وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: معنى قول عثمان ☺: نزلَ القرآن بلسان قريش ليس فيه دَلالة قاطعة على نزول القرآن جميعِه بلسان قريش، فإنَّ ظاهر قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3] أنَّه نزل بجميع ألسنة العرب؛ لأنَّ اسمَ العرب يتناول الجميع تناولًا واحدًا.
          ومن زعم أنَّه أراد مضر دون ربيعة، أو هما دون اليمن، أو قريشًا دون غيرهم فعليه البيان، ولو ساغتْ تلك الدَّعوى؛ لساغ لآخر أن يقول: نزلَ بلسان بني هاشم مثلًا؛ لأنهم أقرب نَسَبًا إلى النَّبيَّ صلعم من سائر قريش.
          وقال أبو أسامة: يحتمل أن يكون قوله: نَزَلَ بلسان قريش؛ أي: ابتداء نزوله بلغة قريشٍ، ثمَّ أُبِيْحَ أن يُقْرَأَ بلغةِ غيرهم، كما سيأتي تقريره في باب: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) [خ¦4992]. انتهى.
          وقال الحافظ العسقلاني: وتكملتُه أن يقال: إنَّه نَزَلَ أولًا بلسان قريش أحدُ الأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلًا وتيسيرًا، كما سيأتي بيانه [خ¦4992]، فلمّا جَمَعَ عثمانُ ☺ الناسَ على حَرْفٍ واحدٍ رأى أن الحَرْفَ الذي نزل القرآن أولًا بلسانهم أولى الأحرف، فحملَ الناسَ عليه؛ لكونه لسان النَّبي صلعم ؛ لما له من الأولويَّة المذكورة، وعليه يُحْمَلُ كلامُ عمر ☺ لابن مسعود ☺ أيضًا. انتهى، والله تعالى أعلم.
          تتمة: قال الحكيم الترمذيُّ في كتابه «علم الأولياء»: إنَّ سيدنا رسول الله صلعم قال: ((إنَّ الله تعالى لم ينزل وحيًا قط إلَّا بالعربية، وترجم جبريل ◙ لكلِّ رسولٍ بلسان قومه)). والرسول صاحبُ الوَحي يُتَرْجِمُ بلسان أولئك، فأمَّا الوحي فباللسان العربي. انتهى. وفي ثبوته كلام.