نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ذوي الأرحام

          ░16▒ (باب) حكم (ذَوِي الأَرْحَامِ) هل يرثون أم لا، ومن هم؟ وذوو الأرحام: جمع ذو رحم، وهو خلاف الأجنبيِّ، والأرحام: جمع الرَّحم، والرحم في الأصل منبت الولد، ووعاؤه في البطن، ثمَّ سُمِّيت القرابة والوصلة من جهة الولادة رحمًا، وفي الشَّريعة: عبارةٌ عن كلِّ قريبٍ ليس بذي سهمٍ ولا عصبةٍ.
          وقال ابن الأثير: وذو الرَّحم هم الأقارب، ويقعُ على كلِّ من يجمعُ بينك وبينه نسبٌ، ويُطلق في الفرائضِ على الأقارب من جهة النِّساء، يُقال: ذو رحمٍ مَحْرمٍ، وهو من لا يحلُّ نكاحه كالأمِّ والبنت والأخت والعمَّة والخالة. انتهى.
          واختلف هل يرثون أم لا؟ وبالأوَّل قال الكوفيُّون وأحمد محتجِّين بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب:6]، وهم عشرة أصنافٍ: الخال، والخالة، والجدُّ للأمِّ، وولد البنت، وولد الأخت، وبنت الأخ، وبنت العمِّ، والعمَّة والعم للأمِّ، وابن الأخ للأمِّ، ومن أدلى بأحدٍ منهم فمن ورثهم. قال: أولاهم أولاد البنت، ثمَّ أولاد الأخت وبنات الأخ، ثمَّ العمُّ لأمٍّ والعمَّة والخال والخالة، وإذا استوى الاثنان قدِّم الأقرب إلى صاحب فرضٍ أو عصبةٍ على ما ذكر في علم الفرائض، وقالت طائفةٌ: إذا لم يكن للميِّت وارثٌ له فرضٌ مسمَّى فماله لموالي العتاقة الَّذين أعتقوه، فإن لم يكن له فماله لبيت مال المسلمين، ولا يرثُ من لا فرض له من ذوي الأرحام، روي هذا عن أبي بكرٍ وزيد بن ثابتٍ وابن عمر، ورواية عن عليٍّ ♥ ، وهو قول أهل المدينة والزُّهري وأبي الزِّناد وربيعة ومالك، وروي عن مكحولٍ والأوزاعي، وبه قال الشَّافعي.
          وكان عمر بن الخطَّاب ☺، وكذا ابن مسعود وابن عبَّاس ومعاذ وأبو الدَّرداء يورثون ذوي الأرحام، ولا يُعطون لمولاه / مع الرَّحم شيئًا، وبتوريث ذوي الأرحام قال ابنُ أبي ليلى والنَّخعي وعطاء وجماعةٌ من التَّابعين، وهو قول الكوفيِّين وأحمد وإسحاق، وفي كيفيَّة توريثهم مذهبان:
          أحدهما: وهو الأصحُّ مذهب أهل التَّنزيل، وهو أن ينزلَ كلٌّ منهم منزلة من يدلي به.
          والثَّاني: مذهبُ أهل القرابة وهو تقديمُ الأقرب منهم إلى الميِّت، ففي بنت بنتٍ وبنت بنت ابن المال على الأوَّل بينهما أرباعٌ، وعلى الثَّاني لبنت البنت لقربها إلى الميِّت.