نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج

          ░15▒ (باب) حكم امرأةٍ توفِّيت عن (ابْنَيْ عَمٍّ: أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلأُمِّ، وَالآخَرُ زَوْجٌ) وهذه التَّرجمة مثل اللغز ليس فيها بيانٌ، صورتها: أنَّ رجلًا تزوَّج امرأةً فأتت / منه بابنٍ، ثمَّ تزوَّج أخرى فأتت منه بآخر، ثمَّ فارق الثَّانية فتزوَّجها أخوه فأتت منه ببنتٍ، فهي أخت الثَّاني لأمِّه وابنة عمِّه، فتزوَّجت هذه البنت الابن الأول وهو ابن عمِّها ثمَّ ماتت هي عن ابني عمِّها أحدهما أخوها لأمِّها والآخر زوجها.
          (وَقَالَ عَلِيٌّ) ☻ (لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلأَخِ مِنَ الأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) بالسَّوية.
          حاصله: أنَّ الزَّوج يُعطى النِّصف؛ لكونه زوجًا، ويُعطى الآخر السُّدس؛ لكونه أخًا لأمٍّ، فيبقى الثُّلث فيُقسم بينهما بطريق العصوبة، فيصحُّ للأوَّل الثُّلثان بالفرض والتَّعصيب، وللآخر الثُّلث بالفرض والتَّعصيب.
          وهذا الأثر وصله عن عليٍّ ☺ سعيد بن منصور من طريق حكيم بن عقال قال: أُتي شريح في امرأةٍ تركت ابني عمٍّ أحدهما زوجها، والآخر أخوها لأمٍّ، فجعل للزَّوج النِّصف، والباقي للأخ من الأم، فأتوا عليًّا ☺ فذكروا له ذلك، فأرسل إلى شريح فقال: ما قضيت أبكتاب الله أو بسنَّةٍ من رسول الله صلعم ؟ فقال شريح: بكتاب الله، قال: أين؟ قال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] قال عليٌّ ☺: فهل قال: للزَّوج النِّصف، وله ما بقي، ثمَّ أعطى الزَّوج النِّصف، والأخ لأمٍّ السُّدس، ثمَّ قسم ما بقي بينهما.
          وأخرج يزيد بن هارون والدَّارمي من طريق الحارث قال: أُتي عليٌّ في ابني عمٍّ أحدهما أخٌ لأمٍّ فقيل له: إنَّ عبد الله كان يعطي الأخ للأمِّ المال كلَّه فقال: ي ☼ إن كان لفقيهًا، ولو كنت أنا لأعطيت الأخ من الأمِّ السُّدس، ثمَّ قسمت ما بقي بينهما.
          قال ابن بطَّال: وافق عليًّا زيد بن ثابتٍ، والجمهور من المدنيِّين والثَّوري ومالك وأبي حنيفة والشَّافعي وأحمد وإسحاق، وقال عمر وابن مسعود ☻ : جميع المال يعني الَّذي يبقى بعد نصيب الزَّوج للَّذي جمع القرابتين، فله السُّدس بالفرض والثُّلث الباقي بالتَّعصيب، وهو قول الحسن البصري وعطاء والنَّخعي وابن سيرين وإليه ذهب أبو ثور وأهل الظَّاهر.
          واحتجُّوا بالإجماع في أخوين: أحدهما شقيق، والآخر لأبٍ أنَّ الشَّقيق يستوعب المال؛ / لكونه أقرب بأمٍّ، وحجَّة ما قاله الجمهور ما أشار إليه البخاريُّ في حديث أبي هريرة ☺ الذي أورده في الباب بلفظ: ((من مات وترك مالًا فماله لموالي العصبة))، والمراد بموالي العصبة: بنو العمِّ فسوَّى بينهم، ولم يفضل أحدًا على أحدٍ، وكذا قال أهل التَّفسير في قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم:5] ؛ أي: بني العمِّ.
          فإن احتجُّوا بالحديث الآخر المذكور في الباب أيضًا من حديث ابن عبَّاس ☻ : «فما تركت الفرائض فلأولى رجلٍ ذكر».
          فالجواب: أنَّهما من جهة التَّعصيب سواءٌ، والتَّقدير: ألحقوا الفرائض بأهلها؛ أي: أعطوا أصحاب الفروض حقَّهم، فإن بقي شيءٌ فهو للأقرب، فلمَّا أخذ الزَّوج فرضه، والأخ لأمٍّ فرضه، صار ما بقي موروثًا بالتَّعصيب، وهما في ذلك سواءٌ، وقد أجمعوا في ثلاثة أخوةٍ للأمٍّ أحدهم ابن عم، أنَّ للثَّلاثة الثُّلث، والباقي لابن العمِّ.