نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول النبي: «لا نورث ما تركنا صدقة»

          ░3▒ (باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : لاَ نُورَثُ) أي: معاشر الأنبياء على صيغة المجهول، ولو رُوي: بكسر الراء على صيغة المعلوم، له وجهٌ لصحَّة المعنى.
          ووجه هذا: أنَّ الله ╡ لمَّا بعثه إلى عباده، ووعده على التَّبليغ لدينه، والصَّدع بأمره الجنَّة، وأمره أن لا يأخذَ عليه أجرًا ولا شيئًا من متاع الدُّنيا بقوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان:57]، أراد صلعم / أن لا ينسبَ إليه من متاعِ الدُّنيا شيءٌ يكون عند النَّاس في معنى الأجر والثَّمن، فلم يحلَّ له شيءٌ منها، وما وصل إلى المرء وأهله فهو واصلٌ إليه، فلذلك حرَّم الميراث على أهله؛ لئلَّا يظنَّ به أنَّه جمع المال لورثته، كما حرَّم عليهم الصَّدقات الجارية على يديهِ في الدُّنيا؛ لئلَّا ينسب إلى ما يبرأ عنه في الدُّنيا، وكذلك سائر الرُّسل على ما عرف في موضعهِ.
          (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) ((ما)) موصولة و((تركنا)) صلته، و((صدقة)) بالرفع خبر ما، ويجوز أن يقدر فيه لفظة: هو؛ أي: الذي تركناه هو صدقةٌ، وادَّعى الشِّيعة بالنَّصب على أنَّ «ما» نافية، ورُدَّ عليهم: بأنَّ الرِّواية ثابتةٌ بالرَّفع، وعلى التَّنزل، فيجوز النَّصب على تقدير حذف تقديره: ما تركنا مبذولٌ صدقة، قاله ابن مالك.
          وينبغي الإضراب عنه، والوقوف مع ما ثبتت به الرِّواية، وهو معنى قوله: ((إنَّ آل محمَّد لا يحلُّ لهم الصَّدقة))، وعن أبي هريرة ☺: أنَّ النَّبي صلعم قال: ((إنَّا معشرَ الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقةٌ)) فهذا عامٌّ في جميع الأنبياء ‰، ولا يُعارضُه قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل:16] ؛ لأنَّ المراد إرث النُّبوة والعلم والحكم، وكذلك قوله تعالى: {وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} [مريم:6].