نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: مرضت فعادني رسول الله وأبو بكر وهما ماشيان

          6723- (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجاءٍ البلخي، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو: ابنُ عيينة (عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) الهدير التَّيمي المدني الحافظ، قال: (سَمِعَ) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحمويي والمستملي: <قال سمعت> (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) الأنصاري ☻ (يَقُولُ: مَرِضْتُ فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ) ☺ (وَهُمَا مَاشِيَانِ) الواو فيه للحال (فَأَتَانِي) أي: رسول الله صلعم ، ويُروى: <فأتياني> (وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ) بتشديد الياء، وأُغمي: بضم الهمزة على البناء للمفعول (فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم فَصَبَّ عَلَيَّ) بتشديد الياء (وَضُوءَهُ) بفتح الواو؛ أي: ماء وضوئهِ (فَأَفَقْتُ) من إغمائي (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي، كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي، فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <الميراث> بالإفراد، هكذا وقع في رواية قتيبة.
          وقد تقدَّم في «تفسير النِّساء» [خ¦4577]: أنَّ مسلمًا أخرجه عن عَمرو النَّاقد عن سفيان وهو: ابنُ عيينة شيخ قتيبة فيه فزاد في آخره: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء:176]، وقد ذكر الحافظ العسقلاني هناك: أنَّ هذه الزِّيادة مدرجةٌ، وأنَّ الصَّواب ما أخرجه التِّرمذي من طريق يحيى بن آدم عن ابنِ عيينة حتَّى نزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:11].
          قال: وأمَّا قول البخاري في التَّرجمة إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء:12] فإنَّه أشار إلى أنَّ مراد جابر من آية الميراث قوله: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء:12] قال ابن العربيِّ بعد أن ذكر الرِّوايتين في إحداهما فنزلت {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء:176] وفي الأخرى آية المواريث: هذا تعارضٌ / لم يتَّفق بيانه إلى الآن، ثمَّ أشار إلى ترجيحِ آية المواريث وتوهيم {يَسْتَفْتُونَكَ}.
          قال الحافظُ العسقلاني: ويظهر أن يُقال: إنَّ كلًّا من الرِّوايتين من الآيتين لما كان فيها ذكر الكلالة نزلت في ذلك، لكنَّ الآية الأولى لمّا كانت الكلالة فيها خاصَّةً بميراث الإخوة من الأمِّ، كما كان ابن مسعودٍ ☺ يقرأ: (▬وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ↨) وكذا قرأ سعد بن أبي وقَّاص ☺، أخرجه البيهقي بسندٍ صحيحٍ: استفتوا عن ميراث غيرهم من الإخوة، فنزلت الأخيرة، فيصحُّ أنَّ كلًّا من الآيتين نزلت في قصَّة جابرٍ، لكنَّ المتعلِّق به من الآية الأولى ما يتعلَّق بالكلالة.
          وأمَّا سبب نزول أوَّلها فورد من حديث جابرٍ ☺ أيضًا في قصَّة ابنتي سعد بن الرَّبيع ومنع عمهما أن ترثا من أبيهما، فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} الآية فقال للعمِّ: ((أعط ابنتي سعد الثُّلثين))، وقد وقع في بعض طُرق حديث جابر المذكور في «الصَّحيحين» [خ¦194] فقلت: يا رسول الله إنَّما يرثني كلالة؟
          فإن قيل: روي أنَّها نزلت في سعد بن أبي وقَّاص ☺؟
          قلت: لا منافاة، لاحتمال أنَّ بعضها نزلت في هذا، وبعضها في ذلك، أو كانا في وقتٍ واحدٍ. واستُدلَّ بقوله: «فلم يجبني بشيءٍ» على أنَّه صلعم كان لا يجتهد، ورُدَّ بأنَّه لا يلزم بانتظاره الوحي في هذه القصَّة الخاصَّة عموم ذلك في كلِّ قصةٍ، ولا سيَّما وهي في مسألة المواريث التي غالبها لا مجال للرَّأي فيه، سلَّمنا أنَّه كان يمكنه أن يجتهدَ فيها، لكن لعلَّه كان ينتظرُ الوحي أوَّ لاً، فإن لم ينزل اجتهدَ، فلا يدلُّ على نفي الاجتهاد مطلقًا، أو حيث ما كان ما تيسَّر عليه اجتهد، أو لم يكن من المسائل التَّعبدية.
          وفي الحديث: عيادة المريض، والمشي فيها، والتَّبرك بآثار الصَّالحين، وطهارة الماء المستعمل، وظهور بركة أثرِ رسول الله صلعم .
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ، وقد مضى الحديث في «الطِّب» عن عبد الله بن محمد [خ¦5651](1) . /


[1] هو في كتاب المرضى.