إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألا تريحني من ذي الخلصة؟

          4355- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مسرهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) هو ابنُ عبدِ الله الطَّحان قال: (حَدَّثَنَا بَيَانٌ) بفتح الموحدة والتحتية المخففة، ابنُ بشر (عَنْ قَيْسٍ) هو ابنُ أبي حازم (عَنْ جَرِيرٍ) هو ابنُ عبدِ الله البجليِّ، أنَّه (قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: ذُو الخَلَصَةِ) الَّذي كان فيه الصَّنم، وقيل: اسمُ البيتِ الخلصة، واسمُ الصَّنم: ذو الخَلصة. وحكى المبرِّدُ _كما في «الفتح»_: أنَّ موضعَ ذي الخَلَصة صار مسجدًا جامعًا لبلدةٍ يقالُ لها: العَبْلات من أرضِ خَثْعم (وَ) يقال له: (الكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ) بتخفيف الياء؛ لكونها باليمن(1) (وَالكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ) هي الَّتي بمكَّة، وحذف خبر المبتدأ الَّذي هو الكعبة، كذا(2) قرَّره غيرُ واحدٍ منهم النَّوويُّ. قالوا: وبه يزولُ الإشكالُ، ويحصل التَّمييز بين كعبةِ البيتِ الحرامِ وبين التي اتَّخذُوها مُضَاهاةً لها باليمنِ.
          وقال في «الفتح»: الَّذي يظهرُ لي أنَّ الذي(3) في الرِّوايةِ صواب، وأنَّها / كان يقال لها: اليمانيَة باعتبار كونها باليمنِ، والشاميَّةُ باعتبارِ أنَّهم جعلوا بابها مقابلَ(4) الشَّام. ويؤيِّده ما ذكرهُ عياض: أنَّ في بعض الرِّوايات: ”اليمانيَة الكعبةُ الشَّاميَّة“. بغيرِ واو. قال: والمعنى: كان يقال لها تارةً كذا وتارةً كذا. وقال السُّهيليُّ: اللَّام من قولهِ: «يقال له» لامُ العلَّة، يعني: أنَّ وجود هذا البيت كان يقالُ لأجلهِ: الكعبةُ الشَّاميَّة، يريد: أنَّ السَّبب الحاملَ على وصفِ الكعبة الحرام بالشَّاميَّة قصد تمييزها من هذا البيتِ الحادثِ الذي سمَّوهُ بالكعبةِ اليمانيَة، وأمَّا قبلَ وجودهِ فكانت الكعبةُ لا تحتاجُ إلى وصفٍ، وإذا أطلقت فلا يرادُ بها إلَّا البيت الحرام؛ لعدمِ المُزاحِم. فزال(5) الإشكالُ.
          قال جريرٌ(6): (فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلعم : أَلَا) بتخفيف اللام (تُرِيحُنِي) أي: تريح قلبي (مِنْ ذِي الخَلَصَةِ) طلبٌ‼ يتضمَّنُ الأمر، وخصَّ جريرًا بذلك؛ لأنَّها كانت في بلاد قومه (فَنَفَرْتُ) بالفاء المخففة بعد النون، أي: خرجَتُ له مسرعًا (فِي مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ) أي: البيت (وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم فَأَخْبَرْتُهُ) بذلك (فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ) بالحاء والسين المهملتين، بوزن أحمر، وهم إخوةُ بَجِيلةَ رهط جريرٍ، ينسبون(7) إلى أحمسِ بنِ الغوثِ بنِ أنمار، وبَجِيلة: اسمُ امرأةٍ نُسبت إليها القبيلة المشهورةُ.


[1] في (ب) و (س): «من اليمن».
[2] في (ص): «كما».
[3] في (م): «المذكور».
[4] في (ب) و(د): «يقابل».
[5] في (د): «فقد زال».
[6] في (ص): «جابر».
[7] في (س): «ينتسبون».