إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء

          4351- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بنُ سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) بنُ زيادٍ (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ بنِ شَبْرُمَةَ) الكوفيِّ قالَ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ) بضم النون وسكون العين المهملة (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ☺ ) وسقطَ لأبي ذرٍّ «ابن أبي طالبٍ»(1) (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ) بضم الذال المعجمة، مصغَّر ذهبة(2)، وهي القطعةُ منَ الذَّهب. قالهُ الخطَّابيُّ، وتعقِّب: بأنَّها كانت تِبْرًا، فالتأنيث باعتبار معنى الطَّائفة، أو أنَّه قد يؤنَّث الذَّهب في بعضِ اللُّغاتِ (فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ) بالقاف والظاء المعجمة، أي: مدبوغٍ بالقرظِ (لَمْ تُحَصَّلْ) أي: لم تخلَّص الذهبيَّة (مِنْ تُرَابِهَا) المعدنيِّ بالسَّبك (قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ) يتألَّفُهُم بذلكَ (بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ)‼ نسبهُ إلى جدِّهِ الأَعلى؛ لأنَّه عُيينة بنُ حصنِ بنِ حذيفةَ بنِ بدرٍ الفزاريُّ (وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ) الحنظليِّ ثمَّ المجاشعيِّ، فيه شاهدٌ على أنَّ ذا الألف واللام من الأعلام الغالبة قد ينزعان عنه في غير نداءٍ ولا إضافةٍ ولا ضرورةٍ، وقد حكى سيبويه عن العربِ: هذا يوم إثنين مبارك(3). قاله ابن مالك (وَزَيْدِ الخَيْلِ) باللَّام، ابن مهلهلٍ الطَّائيِّ ثمَّ أحدُ بني نبهانَ، وقيل له: زيدُ الخيلِ لكرائمِ الخيلِ الَّتي كانت عنده، وسمَّاهُ النَّبيُّ صلعم زيدَ الخيرِ _بالراء بدل اللام_ وأثنَى عليه وأسلمَ وحسنَ إسلامُه، وماتَ في حياةِ(4) النَّبيِّ صلعم (وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ) بنُ عُلَاثةَ _بضم العين المهملة وتخفيف اللام والمثلثة_ العامريُّ (وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ) العامريُّ، والشَّكُّ في عامرٍ وهمٌ من عبدِ الواحدِ، فقد جزمَ(5) في روايةِ سعيدِ بنِ مسروقٍ بأنَّه علقمةُ بنُ علاثةَ، وقد ماتَ عامرُ بنُ الطُّفيل قبل ذلك _بخُراج طلع له في أصلِ أذنه_ كافرًا (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) لم يسمَّ، وكأنَّه أبهمهُ(6) سترًا عليهِ: (كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا) القَسْمِ (مِنْ هَؤُلَاءِ) الأربعةِ (قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ) القول (النَّبِيَّ صلعم ، فَقَالَ: أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً. قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَايرُ العَيْنَيْنِ) بغين معجمة وتحتية بوزن فاعل، أي: عيناهُ داخلتانِ في محاجرِهِما لاصقتانِ بقعرِ الحدقةِ (مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبعد الراء فاء، أي: بارزُهُما (نَاشِزُ الجَبْهَةِ) بشين وزاي معجمتين، مرتفعها (كَثُّ اللِّحْيَةِ) كثيرُ شعرِها (مَحْلُوقُ الرَّأْسِ) موافقٌ لسيماءِ الخوارج في التَّحليق، مخالفٌ للعربِ في توفيرِهِم شعورَهُم (مُشَمَّرُ الإِزَارِ) بفتح الميم(7)، واسمُه فيما قيل: ذو الخويصرةِ التَّيميُّ، ورجَّح السُّهيليُّ أنَّ اسمه: نافع كما في أبي داود، وقيل: حرقوصُ بنُ زهير، كما جزمَ بهِ ابن سعد (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ. قَالَ) ╕ : (وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ؟! قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟) وفي «علاماتِ النُّبوَّة» [خ¦3610] «فقال عمرُ: يا رسولَ الله، ائذنْ لي فيه فأضربَ عنقَهُ». ولا منافاةَ بينهما لاحتمالِ أن يكون كلٌّ منهما قال ذلك (قَالَ) ╕ : (لَا) تفعل (لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَالَ خَالِدٌ(8): وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ) بفتح الهمزة وسكون النون وضم القاف بعدها موحدة، كذا ضبطهُ(9) ابنُ ماهان، ولغيرهِ: بضم الهمزة وفتح النون وتشديد‼ القاف مع كسرها، أي: أبحثَ وأفتِّشَ، ولأبي ذرٍّ ”عن قلوبِ النَّاس“ (وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ) ╕ (إِلَيْهِ) أي: إلى الرَّجل (وَهْوَ مُقَفٍّ) أي: مولٍّ قفاهُ، ولأبي ذرٍّ ”مقفِّي“بإثبات الياء بعد الفاء المشددة، بناءً على الوقفِ في مثله بالياء، وهو وجهٌ صحيحٌ، قرأَ به ابنُ كثيرٍ: {وَالٍ}[الرعد:11] و{وَاقٍ}[الرعد:34] لكن الوقف بحذفها أقيسُ وأكثرُ، ولا يجوزُ في الوصلِ إلَّا الحذفُ، ومن أثبتها وقفًا أثبتها / خطًّا رعايةً للوقفِ، وعليه تتخرَّجُ روايةُ أبي ذرٍّ، والجملة حالية (فَقَالَ) ╕ ، ولأبي ذرٍّ ”وقال“ بالواو: (إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ) بضادين معجمتين مكسورتين الثانية مكتنفة بهمزتين أولاهما ساكنة، وللكُشمِيهنيِّ ”من(10) صئصئ“ بصادين مهملتين، وهما بمعنى، أي: من نسلِ (هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطْبًا) لمواظبتهم على تلاوتِه، فلا يزالُ لسانهم رطبًا بها، أو هو من تحسينِ الصَّوتِ بها (لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) أي: لا يرفع في الأعمالِ الصَّالحة فليس لهم فيه حظٌّ إلَّا مرورهُ على لسانِهم، فلا يصلُ إلى حلوقِهِم فضلًا عن(11) أن يصلَ قلوبهم حتى يتدبَّرُوه بها (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ) الإسلام (كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ) أي: خروجهُ إذا نفذَ من الجهةِ الأخرى (مِنَ الرَّمِيَّةِ) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية، الصَّيد المرميُّ (وَأَظُنُّهُ) ╕ (قَالَ: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ) أي: لأستأصلنَّهُم كاستئصالِ ثمودَ.
          وهذا الحديثُ سبق في «باب قول الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ}[الحاقة:6]»، من «كتاب أحاديثِ الأنبياءِ ╫ » [خ¦3344].


[1] «وسقط لأبي ذر: ابن أبي طالب»: ليست في (ب).
[2] في (ب) و(د): «ذهب».
[3] في (ص): «مباركًا».
[4] في (م): «زمن».
[5] في (ص) زيادة: «به».
[6] في (ص): «أبهم».
[7] «بفتح الميم»: ليست في (ب).
[8] في (م) زيادة: «بن الوليد ☺».
[9] في (ص): «ضبطها».
[10] «من»: ليست في (س).
[11] «عن»: ليست في (ب) و(د).