إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كنت إلى جنب زيد بن أرقم

          3949- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسْنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا وَهْبٌ) بسكون الهاء(1)، ابن جريرٍ البَصريُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاج (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ، أنَّه قال: (كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) بنِ زيدٍ الأنصاريِّ ╩ (فَقِيلَ لَهُ) القائلُ هو أبو إسحاق السَّبيعيُّ، كما بيَّنه(2) إسرائيلُ بن يونس، عن أبي إسحاق، كما في آخرِ «المغازي» [خ¦4471] (كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلعم مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ) غزوة خرج فيها بنفسه، لكن روى أبو يَعلى بإسنادٍ صحيحٍ من طريق أبي الزُّبير عن جابرٍ ☺ : أنَّ عدد غزواتهِ صلعم إحدى وعشرون غزاةٍ، ففاتَ زيد بن أرقم ذكر(3) غزوتين منها، ويحتملُ أن تكونا الأبواءَ وبُوَاطَ، ولعلَّهما خفيتا عليه لصغرهِ، ويؤيِّدُه ما في مسلم بلفظ: «قلتُ: ما أولُ غزاةٍ غزاها؟ قال: ذات العشيرة أو العسيرة».
          وعدَّ ابنُ سعدٍ المغازي: سبعًا وعشرين غزوة.
          قيل(4): وقاتلَ صلعم بنفسه منها في ثمانٍ: بدرٍ، ثمَّ أحدٍ، ثمَّ الأحزابِ، ثمَّ بني المُصْطلقِ، ثمَّ خيبرَ، ثمَّ مكةَ، ثمَّ حنينٍ، ثمَّ الطائفَ‼ كما قالهُ موسى بن عُقبة، وأهملَ عدَّ(5) قريظة؛ لأنَّه ضمَّها إلى الأحزابِ لكونها كانتْ في إِثْرِها، وأفردَها غيرُه لكونها وقعتْ مُنفردةً بعد هزيمةِ الأحزاب.
          (قِيلَ) أي: قال أبو إسحاق السَّبيعي لزيدِ بن أرقم: (كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ) غزوة (قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ / كَانَتْ أَوَّلَ؟) كان حقُّ العبارةِ أن يقول: فأيُّهنَّ، أو: فأيُّها، بتأنيث الضَّمير على الصَّواب كما لا يخفى، وأوَّله بعضُهم على حذف مضافٍ، أي: فأيُّ غَزْوَتِهِم. وفي التِّرمذيِّ عن محمودِ بن غَيْلان، عن وَهْب بن جريرٍ بالإسناد الذي ذكره المؤلِّف بلفظ: «قلتُ: فأيَّتُهُنَّ؟» قال في «الفتح»: فدلَّ على أنَّ التَّغيير من البخاريِّ أو من شيخهِ.
          (قَالَ: العُسَيْرَةُ أَوِ العُشَيْرُ) بالتصغير فيهما وبالمهملةِ مع الهاء في الأولى، وبالمعجمةِ بلا هاءٍ في الثَّانية، ولأبي ذرٍّ ”العُسير“ بالمهملةِ بلا هاء ”أو العُشيرة“ بالمعجمةِ والهاء، وللأَصيليِّ: ”العُشير أو(6) العُسير“ بالمعجمةِ في الأولى والمهملةِ في الثَّانية مع حذف الهاء والتَّصغير في الكلِّ، وفي نسخةٍ عن الأَصيليِّ: ”العَشِير“ بفتح العين وكسر الشين المعجمة بغير هاءٍ، كذا رأيتُه في الفَرْع كأصلهِ.
          وقال الحافظُ ابن حجرٍ ⌂ : ”العشير أو العسيرة“(7): الأول بالمعجمةِ بلا هاء، والثَّاني بالمهملة والهاء.
          قال شعبةُ بن الحجَّاج: (فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: العُشَيْرُ) يعني: بالمعجمةِ وحذف الهاء كما في الفَرْع، وفي نسخة ”العشيرة“ بإثباتها، ولم يختلفْ أهلُ المغازي في ذلك، وأنَّها منسوبةٌ إلى المكان الذي وصلوا إليه، واسمه: العُشَير، والعُشَيرة(8)، يذكَّر ويؤنَّث، وكان قد خرجَ إليها صلعم يريدُ عيرَ قريشٍ التي صدرتْ من مكة إلى الشَّام بالتِّجارة ليغنمها، فوجدها قد مضتْ، فبسببِ ذلك كانت وقعةُ بدرٍ، وزاد أبو ذرٍّ هنا عن المُستملي: ”قال ابن إسحاق: أولُ ما غَزا النَّبيُّ صلعم الأبواءَ، ثمَّ بُوَاط، ثمَّ العُشيرة“ وهذا ثابتٌ في أولِ البابِ لغير أبي ذرٍّ، وسبق التَّنبيه عليه.
          وهذا الحديث أخرجَه المؤلِّف أيضًا [خ¦4404] [خ¦4471]، ومسلمٌ في «المغازي» و«المناسك»، والتِّرمذيُّ في «الجهادِ»، والله تعالى أعلم.


[1] في (د): «وهيب بسكون الياء».
[2] في (ص): «كما نبّه عليه».
[3] «ذكر»: ليست في (ص).
[4] «قيل»: ليست في (ص) و(م).
[5] في (ص) و(م): «عدد».
[6] قوله: «العسير بالمهملة بلا هاء أو العشيرة بالمعجمة والهاء، وللأصيلي العشير أو»: ليس في (ص).
[7] «أو العسيرة»: ليست في (د).
[8] كذا في الأصول، ولعلَّ الصواب: «أو العشيرة»، كما في «الفتح».